-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حلال أم حرام؟ “التُّرك” أحسن

عمار يزلي
  • 5109
  • 0
حلال أم حرام؟ “التُّرك” أحسن

تركيا اليوم، وهي تدخل نادي الدول المنتجة للطاقة النووية السلمية، بمساعدة روسيا وباستثمار يتجاوز 20 مليار دولار، تخط طريقها نحو ربط الجسور بين آسيا وأوروبا، بعد ما ربطتها الجغرافيا عبر “البوسفور”، وتبدأ في النأي والاستقلال بنفسها عن “الذئب الأوروبي” الذي لم “يُحلّل” ولم يحرّم، وأبقى الباب مواربا، لا هو مشرّع ولا هو موصد، بل هو أقرب إلى الإغلاق منه إلى الفتح.. وهذا منذ نحو ربع قرن من الانتظار على بوابة النادي الغربي.

تركيا أردوغان، تدرك اليوم أن أوروبا لن تقبل بتركيا المسلمة شعبيا أن تكون جزءا من المنظومة الأوروبية ذات الأصول المسيحية العلمانية: لن تقبل بها اليوم أكثر من أي وقت مضى. اليوم بعد التوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية الذي يسعى إلى تثبيت قوته الشعبية في الانتخابات الرئاسية التي بدأت فعلا لدى الجاليات في الخارج، وهذا من أجل البقاء مدة لا تقل عن نصف قرن، كما صرح بذلك الرئيس أردوغان قبل أيام خلال الحملة الانتخابية.

إذا كان الاتحاد الأوروبي، قد وضع شروطا قاسية وعِصِيا عَصية عن الكسر في عجلات تركيا، حتى خلال أيام “الجمهوريات العسكرية العلمانية”، فما بالك اليوم بتوجهات تركيا الإسلامية المعلنة.

لهذا كله، ولأسباب أخرى كثيرة، بدا لتركيا أن تتجه شرقا وتتخلص من عقدة “الذئب حرام الذئب حلال، الترك أحسن”، بالتوجه شرقا نحو روسيا والصين. روسيا التي كانت تركيا الدولة شبه الوحيدة في الناتو، والتي هي ثاني أقوى الجيوش فيه بعد الولايات المتحدة، والأولى أوروبيا، التي أبقت على علاقات مع روسيا، ورفضت الانصياع للعقوبات الغربية على إثر ما تسميه روسيا “بالعملية الخاصة في أوكرانيا”، بل، وأنها كانت الوسيط المقرب من الطرفين الأكثر تأثيرا، وكانت ستؤدي إلى حل للأزمة لولا تدخل أطراف أخرى غير أوروبية في الدفع نحو إطالة أمد الحرب لحاجة في نفس أمريكا.

تركيا، اليوم، إذ تدخل النادي النووي السلمي عبر تدشين أول محطة من أصل أربع، بنقل الوقود النووي إليها من روسيا، تعطي “لتركيا أردوغان”، وهو في عز الانتخابات الرئاسية، القوة لمجابهة تحالف المعارضة، وكأنما أرادت “روسيا بوتين”، أن تعطي درسا ومثالا للغرب الأوروبي عن قوة وحجم التعاون مع دول صديقة من داخل الناتو، كما تعطي تركيا لبقية زملائها في الناتو درسا في البراغماتية السياسية والاقتصادية القائمة على أن المصالح الثنائية والتعاون هما أصل العلاقات الدولية وليس التعارض على أساس القاعدة “الستالينية الرومانية”: “من ليس معي فهو ضدي”، العقيدة الكلاسيكية التي لا تزال تتبناها وتنتهجها معظم دول الاتحاد الأوروبي والناتو، رغم أنها معادية لمصالحها. روسيا وتركيا، تدشنان اليوم بداية عصر جديد، ليس في مجال إنتاج الطاقة النووية السلمية فقط، بل بتحالف استراتيجي، يضاف إلى التحالف الروسي الصيني والهندي، يدفعه نحو تحول تركيا إلى قطب عالمي لتوزيع الغاز الروسي وأيضا الحبوب الروسية، بما يعني أن تركيا في تعاونها مع روسيا في هذه المجالات الثلاثة، ستدفع بها خلال العشرين سنة المقبلة لتكون من أقوى البلدان اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافية وعلميا في أوروبا. هذا التعاون الاستراتيجي يصب في مصلحة البلدين الجارين، وغير مستبعد أن العلاقة بين دول الناتو والاتحاد الأوروبي من جهة وتركيا قد تتراجع، إن لم تصل إلى حد انسحاب تركيا من الناتو ليصبح البحر الأسود بحيرة روسيا تركية، إذا ما استمر المد الروسي في أوكرانيا وصولا إلى أوديسا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!