حماس وعباس.. بين الثورة والثروة

ما يحدث اليوم بين حماس والسلطة الفلسطينية يكشف عمق المأساة التي نعيشها نحن العرب والمسلمين، عندما نلجأ إلى الديمقراطية ونحن نعتبرها مجرد “لعبة”، نؤمن بها عندما تخدم مصالحنا، ونكفر بها إذا قُدّر لها أن تأتي بغير ما نشتهي ونهوى.
-
الصراع الأبدي بين الإخوة الفرقاء في الأراضي المحتلة كشف للعالم كله أن الفلسطينيين يفعلون بأنفسهم ما لا يستطيع الصهاينة فعله بهم، وأن شعارات الاحتلال ووحدة الوطن تسقط وتتلاشى أمام الاتهام المتبادل بالخيانة أو العمالة، بين سلطة محكومة باتفاقيات أوسلو ومسار أنابوليس، ومقاومة دخلت اللعبة الانتخابية بضغط أمريكي على عباس لتجد نفسها في النهاية ممثلة للشعب الفلسطيني في دواليب الحكومة وفي مواجهة الإخوة في فتح والأعداء في تل أبيب.
-
الصراع بين الطرفين تحول بفعل الديمقراطية إلى صراع بين حكومتين بعد أن كان صراعا بين سلطة ومعارضة، وهو ما هدد “شبه الدولة الفلسطينية” أكثر من مرة بالحرب الأهلية والفوضى الهدّامة. ولهذا تفشل كل محاولات الحوار، ويتبادل الطرفان الاتهام، قبل أن تنطوي غزة على نفسها، وتواصل السلطة بسط نفوذها “الكسيح” على الضفة الغربية.
-
ما نراه اليوم يؤكد أن الديمقراطية أثبتت فشلها في معالجة ملف حماس والسلطة الفلسطينية، لأن المصل لا يمكن أن يُؤتي ثماره إذا كان الجسم مريضا، حيث تتحول المضادات الحيوية إلى سموم بعدما كان الأمل أن تكون ترياقا. وهذه الظاهرة العربية بامتياز التي تمتد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب تفضح التلاعب بالمصطلحات، عندما نسعى وراء “الأسماء” ونتناسى الجزء الأهم: وهو بناء مؤسسات وطنية قوية تضمن استقرار الدولة وتمنع اختلالها مهما بلغ الشقاق والخلاف، ومهما علت درجات الخيانة أو العمالة.
-
فلسطين اليوم تحتضر، بعد أن خذلها العرب والمسلمون، وبعد أن خذلها أبناؤها، لأنها هانت فلم تعد تمثل رمزا للمقاومة ولا معلما من معالم الإسراء النبوي ولا حلما من أحلام آل زنكي التي حولها صلاح الدين إلى واقع.
-
فلسطين اليوم أضحت مجرد وسيلة من الوسائل التي يقتات بها هذا الطرف أو ذاك، باسم الحفاظ على مسار السلام أو باسم المقاومة وطرد المحتل، ولا ريب أن كلا الطرفين خاسر في معركة تحولت فيها القضية إلى مصلحة. فعار على الثورة أن تأكل أبناءها، وعار على بقايا الأبناء الاقتيات من الثورة.
-