حماية الدروز أم تفكيك سوريا؟

مما يثير الاستغراب والسّخرية في آن معا أن يطرح الكيان الصهيوني نفسه حاميا ومدافعا عن دروز سوريا، وهو الذي يرتكب مذابح بشعة قلّ نظيرها في التاريخ بحقّ الأطفال والنساء في غزة، وتجويعا جهنميا لـ2.3 مليون فلسطيني، وتدميرا مهولا للمساكن والبنية التحتية لتحويل القطاع إلى بقعة خربة غير صالحة للعيش، ومن ثمّ، تهجير سكانه، فكيف إذن يطرح هذا الكيان العنصري الفاشي المجرم نفسه حاميّا لغيره؟ هل يمكن للشيطان أن يأمر بالمعروف؟ هل يستأمن الذئب على الغنم؟
لا يحتاج أيّ متتبّع، ولو كان مبتدئا، إلى بذل جهد ذهني كبير ليدرك مرامي الاحتلال من التدخّل في الشأن السوري وعرض الحماية على دروز سوريا؛ فهو يريد تقسيم البلد الذي أنهكته 13 سنة من الحرب الأهلية الطاحنة، وإنشاء أربع دويلات طائفية وعرقية: واحدة للسنّة، وثانية للعلويين، وثالثة للدروز، ورابعة للأكراد.
وقبل أن يتحدّث وزير المالية الصهيوني المتطرّف سموتريتش عن ضرورة تفكيك الدولة السورية، كان أوديد أينون، مستشار رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرييل شارون، قد وضع سنة 1982 خطة لإعادة تقسيم الدول العربية الحالية التي جاء بها اتفاق “سايكس بيكو” سنة 1916، إلى عشرات الدويلات القائمة على أسس طائفية وعرقية، بهدف ضمان “استمرار التفوّق الإقليمي” للكيان، وركّز أوديد على سوريا بشكل خاص ودعا إلى تقسيمها إلى ثلاث دويلات للعلويين والدروز والسنّة.
وما دامت سوريا قد بلغت درجة كبيرة من الضّعف، أصبحت معها لا تردّ على غارة صهيونية واحدة ولو بإطلاق صواريخ أرض – جو لا تصيب أهدافها كما كان يفعل بشار الأسد، فإنّ هذا يعني أنّ الجوّ قد بات مهيّئا تماما للاحتلال لتنفيذ هذا المخطط الخطير تحت ذريعة “حماية الدروز”، في خطوة أولى يراد لها معرفة مدى قابلية المنطقة العربية لإعادة تقسيمها على الأسس الطائفية والعرقية ذاتها في المرحلة القادمة.
وللأسف، فإنّ رعونة أتباع الجولاني وتطرّفهم تصبّ في إطار تنفيذ هذا المخطط الجهنّمي، وإلا كيف يعقل أن يقوم هؤلاء بدخول بعض مناطق الدروز كجرمانا وصحنايا ويقتلوا العشرات منهم بذريعة أنّ أحدهم بثّ شريطا يسيء فيه إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم؟
لا شكّ أن التطاول على المقدّسات الإسلامية مرفوض ومدان من أيّ طرف كان، ولا حصانة لأحد، ولكن أليس من المفروض أن تفتح تحقيقات عميقة لمعرفة مرتكب هذه الجريمة أولا ومعاقبته وحده، بعد التأكّد منها بالدليل القاطع، حتى لا يؤخذ عشرات الدروز بذنبه؟ ألا يؤكّد المبدأ القرآني على أن “لاتزر وازرة وزر أخرى”؟ ثم ما الذي يضمن أن لا يكون هذا الشريط مصيدة استخباراتية وضعها الموساد بإتقان لإيجاد ذريعة للشروع في تقسيم سوريا وسقط فيها أتباع الجولاني بتهوّرهم ونزقهم؟
ما رأيناه في السّاحل السوري، قبل أسابيع قليلة من مجازر طائفية بشعة واستباحة دماء مئات الأبرياء العلويين، كدنا نراه مجدّدا منذ أيام في السويداء لولا لطف الله، ما يعني أنّ المتعصّبين من أتباع الجولاني لم يستخلصوا أيّ درس من مذابح العلويين، فهل يكفي أن ننتقد الاحتلال الصهيوني وحده على مطامعه في سوريا وسعيه إلى تفكيكها، والحال أنّ بعض الحمقى المتطرّفين من أهلها ومن شذاذ الآفاق الأجانب الذين يقاتلون إلى صفوفهم، يمنحون الاحتلال ما يريد من ذرائع لتنفيذ مخططاته؟
إذا كان الجولاني يريد بناء دولة سورية حديثة موحّدة وديمقراطية، فليبدأ بكبح أتباعه المتعصّبين الذين حاربوا معه نظام بشار 13 سنة، وبدأوا الآن يرتكبون الجرائم بحقّ الأقليات من العلويين والدروز، ويحلبون في إناء العدوّ بتهوّرهم وتطرّفهم وتشبّعهم بالطائفية المقيتة، وإلا ما دخلهم في مسألة “عقائد” العلويين والدروز؟
أخيرا، تحية كبيرة إلى كل شيوخ الطائفة الدرزية الذين شدّدوا على وحدة سوريا وضرورة رفض الفتنة وكل مخططات التقسيم الصهيونية، وليثمّن الجولاني هذا الموقف الشَّهم لأحفاد سلطان باشا الأطرش، وليلجم أتباعه المتطرّفين قبل فوات الأوان.