خبزة .. الثورة !
وصف الشاعر الراحل نزار قباني رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، بأنها “قصيدة مكتوبة على كل البحور، بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر الأيديولوجيا، وبحر الثورة الجزائرية، بمناضليها، ومرتزقتها وأبطالها، وقاتليها، وملائكتها، وشياطينها، وأبنائها وسارقيها”.. فهل اكتشف الجزائريون، شيئا من ذلك، وهم يشاهدون الرواية وقد أضحت مسلسلا تلفزيونيا، .. لا نعتقد ذلك؟ !!
- المخرج أحمد راشدي يستعد لإخراج فيلم جديد عن ليلة أول نوفمبر 54، بعد ما اكتشف “فجأة” أن السينما الجزائرية، لم ترصد تفاصيل تلك الليلة الأسطورية بكل ما فيها، وراشدي، مثلما هو معلوم، يفهم السينما الثورية على أنها تمجيد للبطولات، ورصد يفوق التصور البشري، لحياة الثوار والشهداء، والحقيقة أن كلمة تمجيد، يستعملها، صاحب فيلم الأفيون والعصا، كوصف بديل وأكثر تهذيبا، للتطبيل والتزمير الذي يمارسه عبر كثير من أفلامه، بحجة أن الدولة، ماتزال بحاجة إلى تكريس شرعيتها الثورية سينمائيا، وهو يحقق من وراء ذلك، غرضا سلطويا ومنفعيا ضيقا؟ !
- راشدي هو أبرز وجوه هذا التيار، إن لم يكن متزعمه على الإطلاق، لكن بات ينافسه فيه مخرجون آخرون، على غرار سعيد ولد خليفة بفيلمه المتوقع عن حياة الشهيد أحمد زبانا، وكذا، جعفر قاسم الذي يستعد لإخراج فيلم عن العقيد لطفي، ورشيد بوشارب الحالم بفيلم عن الأمير عبد القادر.. والحقيقة أن هؤلاء المخرجين وغيرهم، وجدوا في مواضيع الثورة، المدعّمة ماليا بسخاء من طرف الرئيس ووزارة المجاهدين تحديدا، كعكة كبيرة، أو خبزة لا يجوز التفريط فيها، إن لم يكن محرما فعل ذلك، ودعكم هنا من كل أحاديث “المساهمة في التأريخ وتدوين بطولات الثورة، ورصد تفاصيل حياة الجزائريين تحت الاحتلال ” ، لأن من يريد ذلك، يمتلك جرأة الحديث عن الثورة، بكل ما فيها … بمناضليها ومرتزقتها، أبطالها وقاتليها، مثلما يقول نزال قباني؟ !
- هناك وجوه فنية، في الكتابة والإخراج والتمثيل، باتت تسترزق من الثورة، مثلما استرزق غيرهم من المجاهدين المزيفين، والأبطال الوهميين، والمحاربين الخياليين، في السابق والحاضر؟ !
- ولكن هؤلاء المخرجين، يظهرون أقل ضررا من أولئك الذين يمارسون فنهم السينمائي وتنظيرهم الأدبي عن ظواهر اجتماعية خطيرة، أبرزها الإرهاب والحراقة، من الخارج، على غرار مرزاق علواش في فيلمه الجديد “حراقة” والذي أراد العودة به للسينما الواقعية التي بدأها مع فيلم “عمر قتلاتو الرجلة”.. والحقيقة أن علواش، ومن معه، يمارسون الفن، مثلما يمارس المعارضون في الخارج، السياسة، يقولون أي شيء ولا شيء، ويلوكون بألسنتهم كل ما تريد الفضائيات ووسائل الإعلام والمهرجانات سماعه، حتى ولو كان منافيا للواقع، قاتلا للموضوعية، مجهضا للحقيقة .