-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خسارة الربح وربح الخسارة

عمار يزلي
  • 956
  • 0
خسارة الربح وربح الخسارة

التقلبات السياسية في الغرب والعالم، في فرنسا بالذات، وبداية الصعود غير المريح لليمين، هو في حد ذاته إخفاقٌ سياسي شامل، بدأ مع انهيار اليسار عالميا، ثم بداية صعود اليمين الوسط، وانتهاء بوصول يمين اليمين إلى سدة الحكم في كثير من الدول الغربية.

وإذا كان اليمين واليسار في الثقافة السياسية الغربية، لا يعني الشيء الكثير في السياسيات الخارجية لهذه الدول، فإن الآثار التي خلّفتها مختلف التحولات الجديدة التي طرأت على الساحة الدولية، بدءا من جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، قد دخلت كعامل مزعزع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان، إضافة إلى العامل التاريخي وإخفاقات بعض الدول الاستعمارية القديمة من تحمُّل تبعات استعمارها لكثير من الدول، والتي لم تستقلّ كلية وبقيت تابعة، باستقلال صوري، لاسيما على مستوى الأمن الاقتصادي والغذائي.

فرنسا واحدة من هذه الدول الغربية التي يبدو أنها الخاسر الأكبر والفاشل الأشهر في العقدين الأخيرين: قوة نووية، عضو مجلس الأمن الوحيد حاليا في الاتحاد الأوربي، والتي كان من المفروض أن تنتزع الزعامة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية من ألمانيا، ذات الاقتصاد الأقوى أوروبيًّا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، تجد نفسها عاجزة سياسيا واقتصاديا بفعل سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء، مما جعل التيار اليميني يستقوي على الضعف الحاصل في بنية الهيكل السياسي بشكل عامّ.

تفقد فرنسا قواعدها في إفريقيا والساحل، وتفقد سوقا كبرى في الشمال الإفريقي، التي هي السوق الجزائرية الناشئة، وتخسر الرهان بتحالفها مع جارة الجزائر الغربية، لما يوجد بينهما من علاقات تبعية وحماية تاريخية وعمل مع الكتل الصهيونية، لاسيما بعد تطبيع هذا الأخير مع الكيان في عزّ التقتيل والإبادة في غزة. فرنسا المتماهية مع سياسة الكيان، ولو أنها تبدي انتقادات من خلف الستار، خائفة وجلة من رد فعل الوحش المدعوم أمريكيًّا، تتماهى أيضا مع سياسة الهيمنة والتوسُّع في الصحراء الغربية، محاولة منها ربح ودّ “الرجل المريض” في استثمارات ولو غير شرعية في الصحراء الغربية، عبر مساندتها لخيار الحكم الذاتي.

مشروع فاشل، تعوِّل عليه فرنسا في أكثر من دولة ومنطقة. لهذا نراها تضرب هنا وتخطئ هناك، بحثا عن استقرار سياسي داخلي أوَّلا، يؤمّنها من السقوط، وتعويض خسارة سياسة التفكير الاستعماري لدى يمين الوسط واليمين بشكل عامّ. عدم التوازن هذا الذي خلقته الظروف السياسية المتجددة في العالم، والحسابات الضيقة لبعض النخب الغربية، دفعتها إلى أن تجد نفسها الآن في مواجهات الأزمات من كل حدب وصوب، وأمام التخوف من صعود اليمين المتطرف المهدِّد لفرنسا برمتها، لاسيما علاقات هذه الأخيرة مع الجزائر.

صعود اليمين ليس مشكلة خارجية لهذه الدول، بقدر ما هو مشكل داخلي للبعض، وعلاج داخلي لدى البعض الآخر، باعتبار أن مشكل الهجرة وتفاقم التضخم والبطالة وقلة الاستثمارات تضاف إليها التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة، هي نتائج وليست أسبابا. كل هذا يشي بأن الغرب، بمن فيهم الاقتصاديات الكبرى، سيجدون أنفسهم تابعين خاضعين لقطبين متصارعين عالميين: الصين والولايات المتحدة، ولن يكون بإمكانهم أن يستقلوا بقرار سياسي واقتصادي ودفاعي قبل عقدين إن هم اتخذوا قرارا بهذا الشأن وطبّقوه بشكل دراماتيكي.

الجزائر، توضِّح للجميع أنها غير معنية بالتناقضات والصراعات السياسية والتجاذبات الداخلية لهذه الدول ومنها فرنسا، إذ أنه لا يعنيها اليمين ولا اليسار، فتلك سياسة داخلية، لكن تبعات ذلك على المستوى الخارجي والجالية والعلاقات الثنائية والذاكرة، قد يزيد لما هو مخرّب أصلا تخريبا، وفرنسا ستكون الخاسر الأكبر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!