-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطابنا الديني.. أي تأثير؟

حسن خليفة
  • 137
  • 0
خطابنا الديني.. أي تأثير؟
ح.م

 تدفعنا بعض المسائل التي تطفو على سطح ساحتنا الاجتماعية والدينية والمتصلة أساسا بالعنف الذي أخذ يستشري في بعض مؤسساتنا المسجدية، وتعرُّض بعض الأئمة وأفراد من قطاع الشؤون الدينية إلى العدوان والإيذاء، كما أشارت إلى ذلك العديد من الوسائط الإعلامية، والتي استدعت تدخل وزارة الداخلية وطلبها من المسؤولين المحليين حماية الأئمة.. تدفعنا مثل هذه الأمور إلى إعادة طرح ما يتعلق بحياتنا الدينية عموما وبخطابنا الديني خصوصا، وبالخطاب المسجدي بصفة أخص.

ويحسُن أن نذكّر، في هذا السياق ببعض الحقائق المفيدة، والتي نرجو أن تكون القاعدة التي ننطلق منها في تحديد مواطن الضعف والعجز والإشكال في خطابنا الديني عموما.

ولنبدأ بالتذكير أن هناك نحو عشرين ألفا من المساجد على مستوى تراب الوطن، يمكن القول إن النسبة الغالبة منها في حالة عمل، أي أنها مفتوحة الأبواب للمسلمين والمسلمات.. وقليل منها في طور الإنجاز في مرحلة ما من مراحل الاكتمال والانتهاء.. ورقم الـ20 ألفا ليس رقما بسيطا، ولكن ما ينبغي أن يُطرح هنا بوضوح: هل تؤدي تلك المساجد، على وفرتها ـ والحمد لله على ذلك ـ هل تؤدي أدوارها ووظائفها الشرعية المطلوبة منها؟ وكيف يمكن قياس ذلك في أرض الواقع وفي الميدان الاجتماعي والإنساني والعقلي والديني قبل ذلك؟.

للأسف، لا يحتاج الأمر إلى كبير تأمل لمعرفة مدى الضعف الذي عليه مؤسستنا المسجدية، وأن تأثيرها لا يكاد يصل إلى الأمتار القليلة التي أمامها، في الأحياء والشوارع والقرى والمدن.. بل إنه ـ أحياناـ لا يصل إلى قلوب وعقول المصلين في المساجد ذاتها، من روّادها الدائمين شيبا وشبابا، فما بالك بمن هم أبعد؟.

 وبطبيعة الحال، هذا ينطبق على غالبية تلك المؤسسات المسجدية، وإن تكن هناك استثناءات لا يمكن إغفالها؛ إذ تؤدي المؤسسة المسجدية ما عليها وأحيانا أكثر مما هو مطلوب منها، كما هو الشأن في تلك القلة من المساجد التي تجاوزت أنوارها وإشعاعاتها محيطها القريب إلى أماكن أبعد، ولكنها، في المحصّلة، قلة واستثناء. ومرادنا أن نعرف بالضبط الإشكال القائم في هذا القطاع على سبيل المعرفة والفهم، لاقتراح ما يجب بعد ذلك.

والحديث هنا عن تأثير المسجد: في رواده، ثم فيمن هم  في محيطه وربّما ما هو أبعد.

 فإن أردنا طلب أدلة أكبر نسأل: أين هو تأثير المسجد في الواقع الذي يعجّ بكثير من ألوان الفساد، وعديد مظاهر الانحراف، في كل مناحي حياتنا المترنِّحة المضطربة المتداخلة الخانقة؟ أين هو تأثير المسجد في أعرافنا وعاداتنا الاجتماعية ونحن نرى أفراحنا بهذا الشكل الشائه المصطبغ بالغلوّ والإسراف والشره والتباهي والغلاء والتبرّج والاختلاط الشنيع وغيرها من المخالفات الشرعية من كل شكل ولون؟.

 وأين مساجدنا في الأقراح والأحزان ونحن نرى ما نرى مما يدور في المقابر والمآتم مما ينكره الشرع ويرفضه الدين الصحيح؛ وقد وصل الأمر ببعض أفراد المجتمع أن صاروا يولمون في المأتم كما في الأعراس (ثلاث أكلات ـ وتحلية و….)، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسوء أعمالنا، فضلا عمّا يلاحظه كل منا من الأحاديث المنكرة عن الدنيا وملذاتها وتجاراتها في المقابر، والهواتف شغّالة… والميت يُدحرج إلى لحده!.

هذا في الجانب المرئي الظاهر من حياتنا الاجتماعية التي لم يصلها إشعاع المسجد بعدُ. وأما غير ذلك فكثير، فأمراضنا الاجتماعية والنفسية في ازدياد وانحرافنا في تعاظم، والأئمة لا يكفُّون عن الحديث عن ذلك في كل جمعة أو مناسبة، في الصيف عن العُري ما يتبعه من فتن طامية  وألوان الحرام المجترِّحة، وفي الشتاء والربيع والخريف عن ألوان أخرى من المحرّمات تلتصق بنا وبحياتنا التصاقا كليا كالرشوة والفُحش والغش والزنا وشهادة الزور…!

ثمة ما يستوجب التوقّف هنا وطرح الأسئلة:

لمَ لا يوجد تأثيرٌ حقيقي للمؤسسة المسجدية في واقع الحياة في بلادنا؟

لمَ لا يحقق المسجد تلك المعادلة المطلوبة من التغيير لما في الأنفس والعقول، مع توفر أعدادٍ كبيرة من المساجد في كل المدائن والحواضر والقرى والمداشر، وتوفّر أعداد كبيرة من الموجهين والخطباء والأئمة والدعاة؟

كيف يمكن أن نفهم تزايد الجريمة والانحراف مع ازدياد مفترض في عدد المساجد؟ وتكفي إطلالة متأملة على ما يُنشر من الجهات المختصة كالدرك والأمن والمصالح المختصة المختلفة لمعرفة ذلك.

ما السرّ في خلوّ حياتنا من الملمح الإيماني الديني المؤثر؟ وهل يعود ذلك إلى القائمين على تلك المساجد من أئمة ودعاة ومصلحين وأساتذة، حتى الموظفين؟ وهل لذلك صلة بالتكوين غير المتين لهؤلاء؟  أم يعود لأسباب أخرى؟ وما هي؟

هل للوصاية وزارة وغيرها (المنظمومة كلل) دور في هذا الانحسار الرهيب لدور المسجد في الحياة الاجتماعية والانسانية للناس في وطننا؟ وهل يمكن أن يكون ذلك مقبولا ومبررا؟. وهل من المنطقي ومن المشروع السكوت عن مثل هذا الأمر، أو الحديث بالكلام العام الذي يرضي من يُراد إرضاؤه والمطلوب هو رضا الحبيب الأعظم سبحانه وتعالى. لا شك أن ثمة أسبابا لكل هذا، وبالأخص لهذا العجز البيّن الظاهر في أداء المؤسسة المسجدية لدورها المطلوب. ولا شك أيضا أن هذا الأمر ينبغي أن يدفعنا ـ جميعاـ إلى البحث عن الاختلالات الموجودة ليُفسح المجال لخطابنا الديني ليقوم بواجبه في النصح والتوجيه والإرشاد بشكل مؤثر يؤتي أكله بإذن الله تعالى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!