خطاب إليها.. في “عيدها”

سواء عليك، أكنتِ أمي أم زوجتي، أم أختي أم ابنتي، فأنت في شرعنا شقيقتي، و”إنما النساء، شقائق الرجال”. هذه- إذن- هي الحقيقة الإنسانية الإسلامية الثابتة، لبناء المجتمع الإنساني الإسلامي الأفضل.
فما لهذه الإيديولوجيات الحداثية، تحاول اليوم، أن تجعل من المرأة عدوة للرجل، ومن الرجل عدوا للمرأة؟ وهل تكون المرأة- في عرف هؤلاء الحداثيين- عدوة لابنها، أو لزوجها، أو لأخيها؟ معاذ الله!
فأي درك، أوقع فيه دعاة “حقوق المرأةِ” المرأةَ نفسها؟ لقد جردوها من معالم إنسانيتها، حينما اختزلوها في الجانب الأنثوي وحده، “فحرّروها” من ملابسها، ونزعوا عنها حشمة إنسانيتها، وبعثوها في رحلة الإشهار، بإبراز مفاتنها، فهل هذه هي المرأة في جوهرها؟
إن المرأة في حقيقتها عقل قبل أن تكون عاطفة، وهي علم قبل أن تكون سلعة تباع وتشترى، وهي أس المجتمع، لأنها أساس البيت، بدل أن تصبح في عالم النخاسة، والتعاسة الخلقية والاقتصادية، والإعلامية.
إن دعاة تحرير المرأة، من وقارها، ونبلها، وعفافها، إنما يعودون بها إلى الجاهلية الأولى، ليجعلوا منها متاعا مشاعا، فهم على غرار الجاهليين، يَئِدون الجانب الإنساني القوي فيها، ويكشفون الجانب الحيواني الأضعف منها، وهم بدل أن يبرزوا الملكات الفكرية والعقلية فيها، لتسهم مع أخيها الرجل، في النهوض بالمجتمع، فتبني لنا الإنسان الصالح، والمجتمع الفالح، والوطن الناجح، بدل هذا كله، يسلطون كل الأضواء، على أنوثتها، وفتنتها، وكل ما يخدش عفتها.
فهذه البدعة التي ابتدعها دعاة ترقية المرأة، بتخصيص يوم في السنة نظريا لها، ونصف يوم عمليا لتكريمها، إن هو إلا عدوان على حق المرأة أمًّا وزوجة، وأختا، وبنتا، لتنعم بهذا الحق في كل يوم، وطيلة أيام السنة.
فالأم في شريعة الله، كما نص الإسلام عليه، هي سادنة الجنة، والجنة تحت أقدام الأمهات، والزوجة وفقا للقيم الإنسانية الشرعية، هي رمز المودة والرحمة ((وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً))، فهي آية من آيات الله.
والأخت في الإسلام هي عنوان العدل والمساواة، فهي شقيقة الرجل في كل شيء إلا ما استثناه الشرع وفقا لخصوصيات كل منهما ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)).
كما أن البنت وديعة الله في الأسرة، نحاسب على أي خلل ألحقناه بها ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)).
إن الصراع الدائر اليوم، حول المرأة، إنمّا هو للإبقاء عليها كامرأة، بكامل أبعادها الإنسانية، على قدر المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل، وهو ما تعمل الشرائع الإلهية وفي مقدمتها الإسلام، وبين من يحاولون تجريدها من كل قيمها الإنسانية وجعلها كريشة في مهب الريح.
أليس هؤلاء هم الذين حرموا المرأة من قدسية الانتماء والنسب، فألغوا باسم التقدم قدسية الأسرة، و”شرّعوا” لها في الغرب حرية المعاشرة، دون عقد أو زواج؟
أليس هؤلاء هم الذين ابتدعوا فتنة “الأم العازبة”، معتدين بذلك على الأم والطفل معا؟
إن الذين ينادون بحرية المرأة من مريدي مؤتمر بكين، والقاهرة، هم قوم متوحشون، فهم يريدون أن يفرضوا على المرأة قانون الغاب باسم شيوعية النساء، وحرية البغاء، ونزع أي غطاء.
فيا شقيقتنا المرأة الجزائرية المسلمة، لقد أعزك الإسلام، وهم أذلوك! وقد طهّرك الإسلام وهم دنسوك! وقدَّمك الوطن وهم أخروك! نناديك بما خاطبك به شاعر الإصلاح وأمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة حين قال لكِ:
سرن سير الحرائر يا بنات الجزائر
وحين قال:
سيري إلى العلياء مثل أخيك وتعلمي فالجهـل لا يجديــــــــــك
وتعاونا في ذي الحياة فأنتما في السعي خير شريكة لشريك
إن مشكلة المرأة عندنا، هي أنها تُغتصب فتنتحب، وهم يريدونها أن تتحلل وتتذلل. ليس في قوانين الأمم المتحدة، والقاهرة، وبكين، ما يثبت وجود المرأة شريكا في الحياة، ومليكا في البيت، وفاعلا في المجتمع.. بل على العكس، تحمل هذه القوانين من القذارة والدعارة، ما تعافه كل حرة شريفة عفيفة.
فمؤتمرا القاهرة وبكين، “شرّعا” للشذوذ الجنسي، باسم حرية السلوك، وقننا للزواج المثلي تحت غطاء تبديد المخاوف والشكوك.
إن من العار على المرأة المسلمة، أن تدع المقدس وفيه سدادها، لتتشبث بالمدنس وفيه فسادها. وإن من المخزي لابنة الجزائر أم الشهداء، وأخت الأبطال، أن تتنكر لمبادئ الأمير عبد القادر، والإمام ابن باديس لتخوض مع الخائضين في مستنقع نيويورك وإباحية باريس.
نريد- يشهد الله- لابنتنا أن تبقى جوهرة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، لا بضاعة مرهونة، ومتعة ملعونة، ودعوا عنكم حكاية العنف ضد النساء، فهو ليس من شيم النبلاء العقلاء، وإن القضاء على العنف ضد النساء، لا يكون بإصدار القوانين التعسفية، وإنما يكون بالحب، والتربية، فعمقوا قيمة الحب في النفوس والعقول والقلوب، تقضوا على العنف في الشوارع، والبيوت والدروب.
إن الفرق بيننا، وبين دعاة تحرير المرأة، أنهم يريدونها أن تتحرر من قيود القيم الإنسانية والأخلاق الدينية، ونحن نريدها أن تجسد في شخصيتها وفي سلوكها معالم المبادئ الأخلاقية، ونبل الأحكام الإسلامية. وإن الفرق بين الفريقين كالفرق بين الخير والشر، وبين المنفعة والضر، وكل عام وأنتِ بخير.