خطورة عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة والعالم
إن عودة دونالد ترامب إلى الحكم، بهذه الطريقة، مخيفة ومرعبة وقاتمة، بشكل استثنائي للولايات المتحدة، وأيضا للعالم. لقد اكتسح دونالد ترامب الصندوق الانتخابي والتصويت الشعبي، ولم يمنحه انتصارًا فحسب، بل تفويضًا. إذ راهن عليه الملايين من الناخبين في عام 2016، واليوم تضاعفوا بشكل رهيب.
بعدما قدّمه الإعلام الأمريكي وحتى العالمي وبمساعدة الدولة العميقة، على أنه مجرم وعنصري، وكاره للنساء، ومدان مرتين، يبيع الكراهية والانتقام، اختار المنتخبون الأمريكيون في الأخير وبشكل مطلق دونالد ترامب.
بالأمس القريب فقط، استطاع صحافي في صحيفة “واشنطن بوست”، طرد رئيس الجمهورية ريتشارد نيكسون من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تورّطه في “قضية واترغايت”، التي فجرها الصحفي الكبير بوب واردوود. نجد اليوم الرئيس ترامب ورغم المتابعات القضائية والحملة الإعلامية الشرسة من طرف الإعلام وأيضا الدولة العميقة، بل وحتى من طرف العديد من قادة ونواب حزبه الجمهوري، هاهو اليوم يفوز على كل هؤلاء، ويثبت أنه رجل غير عادي.
سيستمر الانقسام الصارخ بين الأمريكيين ولمدة طويلة هذه المرة، وقد يؤدي إلى حرب أهلية ثانية مثلما وقع في عام 1861، التي دامت سنوات، بين الشمال والجنوب، وكانت مدمرة للولايات المتحدة عموما. أو ربما إلى تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما وقع في عام 1861، عندما انسحبت بعض الولايات من الاتحاد وكونت تنظيما موازيا. أو على طريقة الاتحاد السوفياتي في عهد مخائيل غوربشتوف، الذي فكك الاتحاد.
وبرغم التفوق العلمي والتكنولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم السيطرة الظاهرة على العالم، إلا أنّ استطلاعات الرأي لم تتنبأ بحجم هذا الفوز. لقد فاز رئيس واحد فقط في السابق بفترتين غير متتاليتين مثل دونالد ترامب.
في أواخر سنة 2020، بعدما خسر الانتخابات الرئاسية ضد جو بايدين بدأ ترامب مقزّما وفقد حزبه أو بالأحرى تخلى عنه حزبه الجمهوري. أما اليوم، فقد قام بمضاعفة حصته في التصويت وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، إلى درجة أن خريطة البلاد أصبحت ملونة بالأحمر، وهو لون الحزب الجمهوري. بالإضافة إلى محاولتي اغتيال، كل هذا سيجعله يقتنع بأنه لا يقهر، وبأنه رجل غير عادي، بل أصبح هو اليسوع الذي ينتظره المسيحيون. والتاريخ السياسي الأمريكي حافل بمثل هذه الأمور، فالرئيس جورج بوش الابن صرح للإعلام بأن “الله تحدث معه”.. وكان قبل بداية أي اجتماع في البيت الأبيض، يقوم بحصة دينية يشرف عليها قس من الكنيسة.
قال ترامب لرجال الأعمال الأمريكيين في أكتوبر الماضي: «بالنسبة لي، أجمل كلمة في القاموس هي التعريفة» وهذا التعليق فجّر الآن تخوّفا ورعشات كثيرة ومتعددة عبر العواصم العالمية بحسب أهم الصحف الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية والأسترالية… لقد شعرت العديد من هذه الدول بالقلق من أنه «سيسحب الستار عبر الاقتصاد الأمريكي، ويخرجهم من أكبر سوق في العالم ويقطع الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية». إن هدف ترامب «عظيم» حتى بمعاييره. هدفه هو «إعادة تنظيم كامل للنظام الاقتصادي العالمي».
لم يبق أي ناخب أمريكي في بيته، عندما شعر الكثير منهم بأن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الخاطئ، فكامالا هاريس، نائبة الرئيس الجمهورية جو بايدن، كانت مضللة بشغل المنصب عندما أراد الناخبون التغيير. بالرغم من أنه في عهد بايدن شهد الاقتصاد الأمريكي انتعاشًا ملحوظًا. لكنها، كانت عاجزة عن وضع خطة لإحداث هذا الانتعاش، وهذا راجع لعدة أسباب، أولها أن هاريس قاضية ولا تفقه في الاقتصاد، وثانيا، أن الشعب الأمريكي عموما مازال يحتقر المرأة، وخاصة الملونة، بالإضافة إلى أن كامالا هاريس كانت مغيبة عن الساحة السياسية، ولم تظهر إلا بعد هزيمة بايدن في المواجهة التلفزيونية ضد ترامب. لهذا، صوّت الناس وفقًا لذلك، على ترامب.
لقد نصّب ترامب نفسه مرشحا للتغيير. وأدارت هاريس حملة مصقولة ولكنها مبتورة: ويبدو رفض بايدن تمرير الشعلة، بالرغم من أنه تحدّث في حملته الانتخابية الأولى في 2020، بأنه سيحكم لعهدة واحدة ثم يترك الكرسي لشخص ثان أكثر شبابا، بالإضافة إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا في أوروبا وحرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، وفتح مخازن الجيش الأمريكي على مصراعيها لتمويل هذه الحروب، جعل الناخب الأمريكي اليوم يفضل المترشح الأقل سوءا، وهو دونالد ترامب. وهذه الهزيمة الكبيرة تجعل الديمقراطيين اليوم في حاجة إلى النظر بشكل أعمق في سياسة حزبهم والقيادة الحالية.
وعلى الرغم من المخاطر، فشل العديد من الناخبين الديمقراطيين في المشاركة. هناك فجوة بين الجنسين، لأن 52٪ من النساء البيضاوات ما زلن يصوّتن لترامب. وانضمّ اللاتينيون والعرب والمسلمون، على وجه الخصوص، نحو ترامب هذه المرة، ما زاد في الانقسام العرقي، لكنه قد ينغلق إلى حد ما بينما تتسع الفجوة التعليمية. يستمتع العديد من الناخبين باستعداد ترامب لكسر النظام، لأنهم يشعرون بأنه معطل بالفعل بالنسبة لهم.
لقد شجع تحيز الناخبين إلى رؤية ترامب كقائد أكثر حيوية من هاريس، إلى جانب ارتباك خاطئ في الاستبداد والقوة. أعطى العديد من ناخبيه الأولوية للاقتصاد. لكنهم ما زالوا يعرفون أنهم يختارون مستبدًّا محتملاً تعهَّد بالترحيل الجماعي والانتقام من المعارضين العسكريين والسياسيين والصحافيين؛ الذي وصفته قيادته العسكرية العليا السابقة بأنه «فاشي حتى النخاع»؛ وحاول قلب إرادة الشعب في 2020 وكاد يثير تمردًا مسلحًا.
أكيدٌ أن الديمقراطيين لن يعودوا. لكن ما ينتظرهم يبدو أسوأ. لن يتغير نهج ترامب السطحي وغير المنتظم والمعاملات العشوائية. هذه المرة سيطر على مجلس الشيوخ ومجلس النواب والبيت الأبيض؛ وأصبح لديه صك على بياض من المحكمة العليا؛ وتجديد الإيمان بتفوقه وقوادة الغرائز الأساسية للناخبين. سيكون هناك القليل من «البالغين» لكبح جماحه.
لقد أثار خطاب انتصاره رؤية قصيرة بدلاً من نظرة جديدة وبراغماتية عاقلة، ومع الأغنياء الجدد الأمريكيين مثل إيلون ماسك وآخرين وهم يملكون قوة تأثير كبيرة وخطيرة تتمثل في محطات التواصل الاجتماعي ككتلة أمريكية جديدة مخيفة لأمريكا والعالم ككل.
أتوقع أن يتابع أنصاره برنامجهم الخاص. كما أتوقع أيضًا التراجع عن حقوق الشواذّ، والعفو عن مثيري الشغب في 6 يناير 2021. ولا يحتاج بعد هذا الانتصار المبهر وغير المسبوق إلى الوفاء بكل ما وعد به في أثناء حملته الانتخابية. ليس عليه ترحيل الملايين لتدمير العائلات وإثارة الكراهية العنصرية. تهدد التعريفات الحرب التجارية وارتفاع الأسعار في الداخل.
تواجه أوكرانيا تسليحًا قويًّا في صفقة سيئة مع فلاديمير بوتين. وفي الكيان الصهيوني، احتفل بنيامين نتنياهو، الذي أقال وزير دفاعه ومنافسه يوآف غالانت. في جميع أنحاء العالم، يشجّع اليمين المتطرف؛ حلفاء الولايات المتحدة قلقون بحق. يعتقد الخبراء أن تعهد ترامب بالانسحاب من اتفاقيات المناخ وتعزيز الوقود الأحفوري سينهي كل أمل في إبقاء الاحتباس الحراري أقل من 1.5 درجة مئوية.
أصبح العالم اليوم بالفعل أكثر من ذلك؛ إذ يشعر الكثيرون في الولايات المتحدة وخارجها باليأس. ومع ذلك، حذرت هاريس مؤيديها من اليأس، لأنها اعترفت بنتائج الانتخابات. كما حثت، حان الوقت «لنشمر عن سواعدنا» وليس «رفع أيدينا»: لإعادة الالتزام بالدفاع عن الديمقراطية وكل أولئك المعرّضين للخطر من عودة ترامب.
فقد قال ترامب لرجال الأعمال الأمريكيين في أكتوبر الماضي: «بالنسبة لي، أجمل كلمة في القاموس هي التعريفة» وهذا التعليق فجّر الآن تخوّفا ورعشات كثيرة ومتعددة عبر العواصم العالمية بحسب أهم الصحف الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية والأسترالية… لقد شعرت العديد من هذه الدول بالقلق من أنه «سيسحب الستار عبر الاقتصاد الأمريكي، ويخرجهم من أكبر سوق في العالم ويقطع الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية». إن هدف ترامب «عظيم» حتى بمعاييره. هدفه هو «إعادة تنظيم كامل للنظام الاقتصادي العالمي». وبما أن «شركاء أمريكا التجاريين في جميع أنحاء أوروبا وآسيا» «يضعون بشكل محموم خطط طوارئ حول كيفية الاستجابة» للتعريفات الأمريكية المحتملة، فإنه سينجح بالفعل.
فقد حذر ليام بيرن، النائب العمالي الذي يرأس لجنة الأعمال والتجارة في البرلمان البريطاني، من «سيناريو يوم القيامة» للاقتصاد البريطاني، إذا فعل ترامب أسوأ ما لديه. يعتقد المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أنه يمكن أن يخفض النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة إلى النصف.
وخلال الحملة الانتخابية، اقترح ترامب “تعريفات شاملة بنسبة 10٪ إلى 20٪ على جميع التجارة الخارجية”، وأعرب عن رغبته في “زيادة الضغط على الصين من خلال رفع الرسوم الجمركية على جميع سلعها إلى 60٪”، ويعتقد بعض الخبراء بأن هذا مجرد حيلة تفاوضية، لكن في حالة الصين الأمر خطير.
لقد كان «الإرث الدائم لإدارة ترامب الأولى» بمثابة تحوّل في إجماع السياسة بشأن بكين. لكن إدارة بايدن «أبقت تعريفات ترامب سارية، بل وأضافتها إليها».
لا يوجد سببٌ للاعتقاد بأن ترامب سيتراجع الآن.. «التعريفات الموحدة تقدم مجهول أكبر». يمكن أن يضع ترامب معدل 10٪ في جميع المجالات. لكنه يمكن أن يرفع الرسوم لتتناسب مع الحواجز التجارية للدول الأخرى. تشمل وسائل الردع احتمال نشوب معارك قانونية -تمتلك جميع الشركات الأمريكية تقريبًا «جزءًا من سلسلة التوريد الخاصة بها خارج الولايات المتحدة» – والبيروقراطية الضخمة المعنية.
ونادرًا ما ينجح استخدام «الأدوات التجارية» لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، مثل تقليل العجز مع الصين. وترامب يعتقد أنه يستطيع تحدي العقيدة الاقتصادية. والسهل تخيل رئيس «غاضب» يطالب بفرض رسوم جمركية أعلى من أي وقت مضى وسحق الطلب المحلي و«إغراق الولايات المتحدة في الركود». وقال بعض الخبراء إنه من المؤكد أن العودة إلى «المذهب التجاري» فكرة سيئة للغاية. لقد «أدى ذلك إلى فترات مظلمة» في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ويهدد بالقيام بذلك مرة أخرى، مع انهيار مؤسسات ما بعد الحرب، مثل منظمة التجارة العالمية.
«من دون المصلحة الذاتية الأمريكية المستنيرة كمبدإ منظم، سينتمي العالم إلى المتنمّرين»: ستكون الدول قادرة على ضرب جيرانها من دون خوف من العواقب «لا شك في أن ترامب سيرد بأن هذه هي مشكلة العالم وليست مشكلة أمريكا».