-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خفوت صوت النقد… لماذا؟

حسن خليفة
  • 276
  • 0
خفوت صوت النقد… لماذا؟
ح.م

لم يوجد النقد إلا بوجود الإبداع، في أي جنس وفي أي حقل كان… وما يكون ثمة إبداع إلا كان ثمة نقد… لكن هذا الأمر يكاد يكون غير مستقيم في حياتنا الأدبية في الجزائر.

لقد “غاب” النقد منذ زمن غير قصير، وتأخر ظهور “نقد” بالمعنى الحقيقي لكلمة نقد، ولم يبق منه غير شذرات تكتب بين آن وآخر، مجاملة أو مداراة أو بأجر وتحقيق غرض من أغراض الدنيا بين مبدع كاتب و”ناقد” بئيس.

لم يكن الأمر على هذا النحو من القحط قبل ثلاثة عقود مثلا، ولم يكن أيضا على هذا النحو المخيف حتى في الزمن الماضي البعيد، نسبيا، في الأربعينيات وما بعدها… عندما كانت الصحف الجزائرية الإصلاحية خاصة تزخر بالكثير من النقد بين المثقفين والكتاب والأدباء، وكان النقاش يندلع بينهم حتى لا يكاد ينتهي، تتلاحق فيه أفكارهم وتتجاور أو تتناقض رؤاهم… وقد كتب كبار كتابنا ودارسينا كالدكتور عبد المالك مرتاض ومحمد مصايف وعبد الله ركيبي وغيرهم عن ذلك وشهدوا بتلك “النهضة الثقافية الأدبية” التي رسمها أدباء الجزائر وكتابها ذات زمن…

في السبعينيات أيضا كان هناك نقاش ونقد ثقافي وأدبي، وإن اصطبغ بملامح أيديولوجية من هنا وهناك، ولكن كان ثمة نقاش ونقد للكثير من الأفكار والإبداعات، في الرواية، المسرح، القصة القصيرة، الشعر بطبيعة الحال.. وكانت المقالات النقدية تملأ أعمدة الصحف والمجلات، بل كانت هناك خصومات ثقافية وأدبية تترجمها دراسات ومقالات مطولة تذهب إلى العمق في النقد وملاحقة ما يكتبه الأدباء الجزائريون الشباب منهم وغير الشباب.

ولا ريب في أن كل ذلك ولّد حالة “انتعاش” ثقافي وفكري تحتاج إليه المجتمعات لترقى وتتعلم أجيالها التالية الحوار والنقاش بآدابه وضوابطه، وسرعان ما ينعكس ذلك على الحياة العامة في شكل اختلاف في الرأي واختلاف في الطرح وتباين في زوايا النظر؛ قد ينتهي إلى اختلاف في السياسة والاجتماع والأيدولوجيا ومشروع المجتمع المقترح… وصبغة المستقبل، وقد يبقى مجرد اختلاف في المجالين الأدبي والنقدي..

لكن الأمر اليوم أكثر بؤسا من أي وقت مضى، يكاد يختفي فيه النقد وقد خبا صوته تماما… أو هكذا أتصور على الأقل، والمفارقة أنه مع كثرة ووفرة المنجز الثقافي والأدبي في صيغ مختلفة: كتب، مجاميع شعرية، مجموعات قصصية، روايات، مسرح، وسواها من أوعية الإبداع وأشكاله، ونحن نقرأ ونسمع عن أدباء جزائريين شباب يحصلون على مراتب الصدارة في مسابقات أدبية إقليمية ودولية هنا وهناك: في لبنان، وقطر، والإمارات، ومصر، والسودان.. كما نقرأ ونسمع عن كتب وروايات جديدة تصدر بين الفينة والأخرى لأديب أو أديبة عن دار نشر هنا أو هناك.. لكن كل هذا الإبداع لا يرافقه نقد من أي نوع كان، حتى ذلك النوع غير النبيل من النقد وهو “نقد المجاملة” يكاد يختفي، ولا نكاد نقرأ عن المنجز الجديد إلا سطورا بسيطة في بعض الصحف بصدور كتاب أو رواية أو مجموعة قصصية.

ولعل ثمة ما كتب عن تلك المتون الإبداعية في أطروحات جامعية هنا أو هناك، والإشكال أن تلك الأطاريح تبقى حبيسة الأدراج إلى ما شاء الله من الوقت ولا يستفاد منها ـ ربما ـ على الإطلاق. فتذهب بذلك جهود كاتبها سدى.

السؤال الجدير بالطرح هنا: ما سبب غياب النقد في حياتنا؟ وإلى متى يبقى هذا ويستمر؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!