خمسة أيام في الواحة الحمراء تِيمِيمُونْ

تشرفتُ بالمشاركة في فعاليات الاحتفال الرسمي بحلول السنة الفلاحية الأمازيغية الجديدة (يناير/ ينّار2975) بدعوة من المحافظة السامية للأمازيغية، دامت خمسة أيّام (من يوم 9 جانفي إلى يوم الاثنين 13 جانفي2025م). تضمّن البرنامج عروضا ثقافية متنوعة ومحاضرات عديدة تمحورت حول اللغة والثقافة الأمازيغية التي مازالت معالمها واضحة للعيان في منطقة تِيمِيمُونْ. وكان مسك ختام البرنامج توزيع جائزة السيد رئيس الجمهورية على المتفوّقين في المسابقة الخاصة باللغة والأدب الأمازيغيين لسنة 2025م.
أما مداخلتي فكانت بعنوان: “البعد التاريخي النوميدي في مواثيق الدولة الجزائرية الثلاثة 1964 /1976/1986م”. التي صدرت على التوالي في عهود الرؤساء: أحمد بن بلة، وهواري بومدين، والشاذلي بن جديد رحمهم الله. كما قدِّمَتْ عروض ثقافية محلية متنوعة زادت الاحتفال رونقا وجمالا. وقد حظيت فعاليات الاحتفال بترحيب شعبيّ كبير، تجلى في خروج المواطنين زرافات ووحدانا للاستمتاع بالعروض الثقافية وللاستفادة من المحاضرات القيّمة، علما أن الفِرق الموسيقية المحلية الأصيلة قد شاركت في العروض المقدمة في مختلف مراحل فعاليات الاحتفال، من البداية إلى النهاية.
ولاية تِيمِيمُون بالأرقام
تبعد مدينة تِيمِيمُون (عاصمة الولاية) عن الجزائر عبر الطريق البريّ بنحو 1200 كلم جنوبا، وهي واقعة بين العرق الغربي الكبير شمالا، وهضبة تادمايت جنوبا. يبلغ ارتفاعها نحو 300م عن مستوى سطح البحر. تقدَّر مساحتها بنحو 65 ألف كلم مربَّع، مقسّمة إداريا إلى أربع دوائر، و10 بلديات، يقطنها نحو 165 ألف نسمة.
تُعدّ تِيمِيمُون جوهرة منطقة ڤورارة المشكّلة من المثلث: تيميمون- أدرار- عين صالح. ورمز الولاية هو (49).
من مطار هواري بومدين إلى تِيمِيمُون
انطلقت بنا الطائرة من مطار العاصمة هواري بومدين يوم الاثنين 9 جانفي في الفترة المسائية، ودامت الرحلة نحو ساعة ونصف ساعة كانت مريحة. نزلنا إثرها بسلام وأمان بمطار مدينة تِيمِيمُون. وكان في استقبالنا -نحن أعضاء الوفد الرسمي بقيادة الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية السيد سي الهاشمي- السلطات المحلية المدنية والعسكرية. وبدأ نشاطنا في المطار برفع الستار عن لافتة التسمية عملاقة، كُتبت باللغة العربية وباللغة الأمازيغية بحروفها الأصيلة تيفيناغ. وبعد استراحة قصيرة في القاعة الشرفية للمطار، وجِّه أعضاء الوفد الرسمي إلى أماكن إقامتهم، وكان من حظي أن أقمتُ في فندق “ڤورَارَة” التابع إداريا لـ”فندق الجزاير” بالعاصمة، الذي بُني في مطلع سبعينيات القرن الماضي على هضبة تشرف على سبخة تِيمِيمُون وعلى بساتين النخيل، وكثبان رملية تزداد رونقا مع غروب الشمس التي يتمتع بها نزلاء الفندق. وقد وضع تصميمَه المهندس الفرنسي Pouillon المعروف بإنجاز تصاميم مركّبات سياحية كثيرة في عهد الرئيس هواري بومدين، وقد استوحى مخطط فندق ڤورَارَه من العمران المحلي المتميّز، لذا يُعدّ من الفرائد السياحية في الجزائر.
اشتياقي إلى تِيمِيمُون
زيادة عن الأهمية التربوية والثقافية لهذا الملتقى، فقد كانت مشاركتي فرصة سانحة للتعرُّف على أسرار واحة تِيمِيمُونْ التي يمتاز عمرانها باللون الأحمر المحليّ البادي على قراها التقليدية المسماة (قصور). وحالفني الحظ في زيارة بعض معالمها، وفي الاطِّلاع مشافهة على أخبار زواياها التربوية التعليمية الزاخرة بالمخطوطات، التي تنظم فيها احتفالات دينية خاصة عند حلول ذكرى المولد النبوي الشريف تشارك فيها فرق: أهْلِيلْ، والحضرة، والقرقابو، باللسان الزناتي ذي النكهة المتميّزة. كما زرتُ بعض قصورها التي تُسقى بساتينها الغنّاء بمياه باطنية فجّرتها عبقرية أجدادنا في الصحراء بتقنية تسمى محليا “فڤارة”. وشاهدتُ عيّنات من مخيماتها السياحية الرائعة التي تستقطب سياحا من كلّ حدب وصوب، خاصة من قارة أوروبا.
التنمية المحلية تملأ الأبصار
أوّل ما جلب انتباهي وأنا أنزل بمدينة تِيمِيمُون، أن التنمية المحلية البادية للعيان في التخطيط والتهيئة العمرانية ومشاريع البناء، اكتمل بعضها كالطريق الرئيسيّ المزدوج والإنارة العمومية والساحات والسكنات، والبعض الآخر في طور الانجاز كالأرصفة والبنايات الإدارية والثقافية والتعليمية ومحطات المواصلات التي استفاد منها مقر الولاية الجديدة. ولا شكَّ أن البلديات قد حظيت أيضا بنصيب من هذه المشاريع التنموية ومنها السكن الريفي المجمَّع، إذ يحصل المستفيد على مساعدة مالية قدرها 100 مليون سنتيم. وقد أخبرني مدير التعمير والبناء، السيد صدّيقي سليمان، أن الولاية قد استفادت منذ إنشائها سنة 2021م من مبلغ ماليّ تجاوز مبلغ 400 مليار سنتيم، نجحت السلطات المحلية في صرفه لإنشاء بنية تحتية وعمران يليق بمقام ولاية جديدة.
تقارب لسان الزناتة مع لسان صنهاجة
يتحدث أهل “تِيمِيمُون” بلسان زناتة الأمازيغي الذي يتقارب مع لسان صنهاجة في الشمال بوضوح. استشفّيتُ ذلك من خلال حديثي مع عدد من سكان تِيمِيمُون منهم السيد محمد بريهمات، فقد ذكرتُ له بعض أسماء المحاصيل الزراعية والحيوانات والوحوش بلسان الزواوي الأمازيغي، فوجدتها متطابقة مع اللسان الزناتي بنسبة كبيرة، وهذه نماذج منها: القمح: (إرْذن عندنا مقابل إهْدَنْ عندهم)، الشعير: (ثِمْزِينْ/ تِمْزِين)، الفول: (إباوَنْ/إباوَنْ)، الخبز: (أغرُومْ/تاعْضُونْتْ)، الكسكس:(سكسو/اُوشُو)، اللحم (أكسُوم/أيْسُوم)، الذئب:( اُوشَن/ اُوشَن)، المعزة:(ثَغَاطْ/ أتْغاطْ)، التيس: ( أقلوَاشْ/ أغاطْ)، الحمار: (أغيُول/أغيُول)، الثعبان:(أزْرَم، ثالافس/ألفْسِيوْ)،القط: (أمْشِيش/مُشّ)، الفأر: (أغرْذا/ أغهْدا)، النخلة: (ثازْذايْثْ/تازْدايْتْ)، مكان مرتفع (ڤورَارْ/ ڤورَارَا)، مكان منخفض (ثاغْزُيْتْ/تاغْزُوتْ)، النهر:(إغْزَرْ/إغْزَرْ)، الجبل:(أذرارْ/ أدْرارْ)،الحجر: (أذغاغ/ أدغاغ)، الفم: (أقمُوش، إيمِي/ إيمِي)، نعجة: (تِخْسِي/ إتِيلِي)، كبش: (إكرِّي/ أدْمّان)، الحصان: (أعُوذِيوْ/ يِسْ)، الرأس: (أقرّو، إخُفْ/ ثامَڤنَا)، اليد: (أفوسْ/ فوسْ)، الرِّجل (أضار، أطار/ تِينْسَتْ)، العين: (ثيط/ تيط)، الأنف: (أنزارن، ثينزرث/ تِينْزَحْتْ)، الأذن: ( أمْزّوغ/ تِيمْجِّينْ)، اللحية: (ثمَارْثْ/ تْمَحْتْ)، الوجه: (اُوذم/اُودَم)، الملابس: (لبْسَا/إحُولِيَنْ)، الحقل: (إڤر، جمعه إڤران/ إڤر،إڤران)، التمر:(تسمر/ أيْنِي، إنِوَنْ أو تِيني)، التين: (ثانْقولتسْ، ثمارها: تَبْخْسِسْثْ، ج. تِبَخْسِسِينْ/ تَزَحْتْ، ثمارها: أقنْزَافْ، ج.إقنْزَافنْ)، ورق الشجر: (إفرْ، ج. إفرّاوَنْ/ تِفرِيتْ، ج. تِفرَايْ)… والجدير بالذكر أن فرقة أهْليل الغنائية قد خصّت شجرة التين بأغنية تليق بمقامها في المجتمع بعنوان: “لالا تَزَحْتْ”.
على أيّ حال مازالت الأمازيغية حيّة تُرزق في كثير من قصُورْ تِيمِيمُونْ منها: تَـبُو، طرمين، أولاد عيسى، تسْفاوْتْ، شروين، الواجده، تاورتيتي، مساهل. وجاء في شهادة السيد مبروكي مبروك، رئيس جمعية الجنوب للتبادل السياحي، أن ما يقارب 75% من سكان قصور يتحدثون بلسان الزناتي. وأخبرني بعض السكان الذين حاورتهم، أن اسم ” تِيمِيمُون”، مركّب من كلمتين باللسان الزناتي (تِينْ + مِيمُون)، ومعناها: المكان ملكٌ لميمون. أمّا اسم الفندق (ڤورَارَه) فمعناه بالأمازيغية مكان مرتفع.
تِيمِيمُون.. بوابة السودان الغربي
أخبرني السيدان أمحمد غندور (رئيس مصلحة التعمير)، والشيخ إبراهيم نور الدين (مهندس معماري)، أن واحة تيميمون كانت في الماضي بمثابة بوابة (لمْنَا بالزناتية) للقوافل التجارية المنطلقة من شمال إفريقيا نحو السودان الغربي (مالي، النيجر، تشاد، وما جاورها). وقد بُني في مطلع القرن العشرين، بابٌ رمزي في ساحة المدينة، وفق النمط العمراني السوداني، وبمواد بناء محلية، صار الآن معْلما من معالم مدينة تِيمِيمُون. كما أخبرني الأخَوان المذكوران أن تجار شمال إفريقيا كانوا يستوردون من السودان الغربي الملح، والعبيد، والأغنام بنوعيها (سودانيّ وفولّاني).
ارتباط تِيمِيمُون باللون الأحمر
قد يسأل البعض عن سبب ارتباط ولاية تِيمِيمُون باللون الأحمر؟ الجواب على ذلك هو طغيان هذا اللون على العمران والمباني لأسباب صحيّة حسب البعض، فهو يمتصّ أشعة الشمس ويحمي العيون من تأثيرها السلبيّ. وقد أخبرني أحد المواطنين أن الجيش الفرنسيّ قد حاول أثناء الاحتلال تبييض جميع المباني التي أسّسها في بني عباس باللون الأبيض، لكنّ ذلك أدّى إلى انتشار أمراض العيون في أوساط الجنود، لذلك تراجع الفرنسيون عن قرارهم، وعادوا إلى استعمال اللون الأحمر المحلي المفيد للصحة. والجدير بالذكر أن مديرية التعمير تشترط حاليا على المواطنين صباغة السكنات والمحلات التجارية باللون الأحمر بنسبة 80%، للحفاظ على الهوية العمرانية لولاية تِيمِيمُون المتميّزة بمواد بناء محليّة حمراء.
تميّزُ المعالم الدينية في تِيمِيمُون
مما جلب انتباهي أيضا وأنا أتجوّل في شوارع مدينة تيميمون وفي بعض قراها المسماة محليا “قصور”، هو تميّز الأضرحة بلونها الأبيض، خلافا للون الأحمر الغالب على العمران المحليّ؛ فهي مبيضّة جميعها بمادة الجير، ولا شك أن هذا التمايز يهدف إلى رفع مكانة أولياء الله الصالحين في مخيال المجتمع، والحق أن ظاهرة تبييض الأضرحة، هي ظاهرة كانت تعمّ منطقة شمال إفريقيا قاطبة.
من الأضرحة البارزة في مدينة تيميمون التي شاهدتها، ضريح الوليّ مولاي الحسين (أو سيدي الحسين) الذي عاش في القرن الـ16م حسب شهادة بعض المواطنين الذين حدّثتهم. وإذا كانت هذه الأضرحة الدينية متميّزة من حيث اللون عن بقية العمران، فإنها قد شُيّدت وفق العمران المحلي السوداني وبمواد بناء محلية، على شكل مخروطيّ، تخرج من جدرانه أخشاب، تُستعمل سلالم لصيانة الضريح ولتبييضه.
مبنى الواحة الحمراء
يعدّ المبنى المسمى “الواحة الحمراء” عيّنة عن العمران المحليّ المتميّز بمادة البناء الحمراء وبالرسوم الأمازيغية ذات الدلالة الرمزية. بُني في مطلع القرن العشرين (ما بين 1912-1917م) تحت إشراف ضابط الهندسة العسكرية الفرنسية François Athenour، لغرض عسكري وهو تموين الجيش الفرنسي في تِيمِيمُون، واستعمل أيضا مَعْلما للملاحة الجوية، لأن مخطط بنائه كان على شكل صليب يحدّد الجهات الأربع. ثم تحوّل هذا المبنى العسكري سنة 1925م إلى فندق ذي 9 غرف، كان ملكا لشركة Transatlantique .
وفي سنة 1965م غيّرت الحكومة الجزائرية اسم الفندق فصار يسمى “فندق الواحة الحمراء”، وظل يشتغل إلى سنة 1996م. وبعد هذا التاريخ صار مقرًّا للمركز الجزائري للتراث الثقافي المبني بالطين (Capterre) التابع لوزارة الثقافة، غايته الحفاظ على التراث المعماري الطيني، يشرف عليه المهندس الشاب علاء الدين بلواعر.
والجدير بالذكر أن هذا المبنى مصنَّف معْلما تاريخيا، بموجب القرار المؤرخ في 21 جانفي 2015 م.
جولة في قصور تيميمون
رتّب لي السيد بيتور أحمد (مسؤول خزينة البلدية) مشكورا رحلة لزيارة مجموعة من قصُورْ على امتداد نحو 30 كلم من مدينة تِيمِيمُون وكان برفقتي المؤرخ الدكتور محمد الهادي حارش.
انطلقنا من زاوية قصر مَاسِينْ المنسوبة لسيدي أحمد بن يوسف، يشرف عليها اليوم الشيخ عبد الحيّ بَوَهّاب، وهو حفيد أحمد بن يوسف دفين تِيمِيمُون حسب اعتقاده، والله أعلم.
مازالت الأمازيغية حيّة تُرزق في كثير من قصُورْ تِيمِيمُونْ منها: تَـبُو، طرمين، أولاد عيسى، تسْفاوْتْ، شروين، الواجده، تاورتيتي، مساهل. وجاء في شهادة السيد مبروكي مبروك، رئيس جمعية الجنوب للتبادل السياحي، أن ما يقارب 75% من سكان قصور يتحدثون بلسان الزناتي.
رحّب بنا الشيخ وأحسن استقبالنا، وقدّم لنا إكراميات منها معجون محلي يُستخرج من تمور النخيل يسمى محليا “الرّب”، وهو حلو المذاق يشبه زيت الزيتون. ولعل ما يؤكد أهمية هذه الزاوية، هو انطلاق الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف منها، ليمتدّ نحو بقية الزوايا والأضرحة الأخرى في تِيمِيمُونْ، ثم يلتقي الجميع في رحاب زاوية سيدي الحاج بلقاسم. أخبرني الشيخ عبد الحيّ بَوَهّابْ أن للاحتفال مظاهر متنوعة، منها قراءة القرآن، والحضرة، والمدائح الدينية التي تسمّى محليا “إزَلْوَانْ” أو أهْلِيلْ، ورفع ألوية أولياء الله الصالحين الموتى، من باب الوفاء والدّعاء لهم. وبعد توديع الشيخ عبد الحيّ بَوَهّابْ، قمت بزيارة ضريح سيدي أحمد بن يوسف (بجنب داره) فوجدته محفوظا بعناية.
تغيّرُ المناخ وآثاره على الحياة
عقب ذلك انطلقت بنا سيارة رباعية الدفع كان يقودها الشاب جلول الذي يعرف تضاريس ومعالم تيميمون معرفة دقيقة، إلى درجة أنه سار بنا ليلا على كثبان رملية -بعد أن أدركنا الليل- من دون أن يتيه فيها، وعدنا سالمين إلى المدينة. وكانت الرحلة ممتعة، أجابني فيها عن كلّ الأسئلة التي خطرت ببالي. استفسرت عن حالة الأمطار، فأخبرني أنها نادرة حاليا في تيميمون بسبب ظاهرة تغيّر المناخ، ذاكرا أن آخر سنة سقطت فيها الأمطار بغزارة هي سنة 2008م، ونجم عنها وفرة محصول “الترفاس” فانخفض سعره كثيرا على غير العادة. أمّا في سنة 2024م فقد ارتفع سعره بسبب ندرة الأمطار إلى ما يقارب 20 ألف دينار (2 مليون سنتيم).
أخبرني أحد المواطنين أن الجيش الفرنسيّ قد حاول أثناء الاحتلال تبييض جميع المباني التي أسّسها في بني عباس باللون الأبيض، لكنّ ذلك أدّى إلى انتشار أمراض العيون في أوساط الجنود، لذلك تراجع الفرنسيون عن قرارهم، وعادوا إلى استعمال اللون الأحمر المحلي المفيد للصحة.
واختزل السيد جلول أهمية الغيث في الحياة بقوله: «كلّ شيء يحيا بالغيث، وكلّ شيء يموت من دونه»، ذاكرا أن الجِمال، والحيوانات البرية في تِيمِيمُون كالغزلان والماعز البرّي والذئاب والثعالب والأرانب والطيور، تتأثر حياتها بالزيادة والنقصان حسب تساقط الغيث. وممّا يؤثّر سلبا في وجودها أيضا، الصيد الفوضوي الذي لا يراعي فترة تناسلها، لذلك لم يعد الناس يرون في البراري قطعان الغزلان كما كان الأمر في الماضي.
فُڤارة قصر أولاد سعيد
مررنا أثناء الرحلة بقصر أولاد سعيد، وجلب انتباهي كثرة العمران ووفرة الغطاء النباتي وبساتين النخيل، وهذا بفضل وفرة المياه الباطنية التي يُحسن السكان استخراجَها عن طريق تقنية الفُڤارة (إفلِي باللسان الزناتي) التي تعدّ في نظر المؤرخ د. محمد الهادي حارش، ابتكارا محليّا، خلافا لما روّجه المؤرخون الفرنسيون الذين نظروا باحتقار إلى شعوب شمال إفريقيا. ويرجّح د. محمد الفاطمي في كتابه الموسوم: “الفُڤارة نبع وروح” أن يكون اسم “الفڤارة”، مشتقا من الكلمة العربية “الفقرات”، لأن الآبار تظهر للناظر على سطح الأرض متسلسلة كفقرات ظهر الإنسان.
تقنية الفُڤارة (إفلِي باللسان الزناتي) تعدّ في نظر المؤرخ د. محمد الهادي حارش، ابتكارا محليّا، خلافا لما روّجه المؤرخون الفرنسيون الذين نظروا باحتقار إلى شعوب شمال إفريقيا. ويرجّح د. محمد الفاطمي في كتابه الموسوم: “الفُڤارة نبع وروح” أن يكون اسم “الفڤارة”، مشتقا من الكلمة العربية “الفقرات”، لأن الآبار تظهر للناظر على سطح الأرض متسلسلة كفقرات ظهر الإنسان.
على أيّ حال، فخلاصة هذا الابتكار المحليّ الفريد من نوعه في العالم، أن تُحفر مجموعة من الآبار على امتداد مسافة معيّنة، ثم تُنقل مياهها في قنوات باطنية من بئر إلى آخرى بطريقة انسيابية، إلى أن تصل إلى سطح الأرض في مكان منخفض يُسمَّى “القسْرِيَة”، وهناك توزَّع المياه على المساهمين في إنجاز الفُڤارة، كلّ حسب مساهمته المالية، بواسطة فوهات تخرج منها المياه نحو البساتين.
وعندما مررنا بقصر كالي، شاهدتُ أطلالا لمبنى كبير نسبيا، بُني على أرضٕ منخفضة إذ لا يظهر للناظر من بعيد، وأخبرني السائق جلول أن المبنى في الأصل هو سوق للتمور، بُني بهذه الكيفية لإخفائه عن أعين اللصوص.
.. يتبع