-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خمس خطوات لنشر فكر مالك بن نبي

حسن خليفة
  • 517
  • 0
خمس خطوات لنشر فكر مالك بن نبي
ح.م

لو أمكن احتساب عدد الندوات والملتقيات التي عُقدت حولَ شخصية الأستاذ مالك بن نبيّ وأفكاره ومؤلفاته، في السنوات القليلة الماضية، لوجدناها ـ في الجزائر فحسب ـ ربما تفوق العشرين من جهات متعددة: أكاديمية، جمعوية، دينية، اجتماعية.. وغيرها.

والحق أن هذا لم يكن متاحا قبل عشر سنوات مثلا؛ إذ كان المفكر مالك بن نبي وفكره وطروحاته وما يدعو إليه محاصَرا أشدّ وأقوى ما يكون الحصار، من أطراف متعددة، داخلية وخارجية، ومن تيارات متعددة: إسلامية، شبه إسلامية، حزبية، تغريبية فرانكوفيلية… وقد ذكر ذلك الأستاذ البروفيسور محمد الأمين بلغيث أكثر من مرة؛ عندما قال بحصار مالك بن نبي من الفرانكوشيوعيين والبربريست وسواهم في مستويات ومواقع مختلفة.

الآن يمكن القول: إن الأمر خفّ كثيرا، وهذا يصدق أيضا على نشر كتبه وطبعها وإعادة طبعها

لو نظرنا إلى كتبه لوجدناها مبثوثة منثورة في عديد المكتبات وفي المعارض الدولية والوطنية، وقد طُبعت من دور نشر مختلفة.. فضلا عن وجودها على الشابكة (الانترنيت) في عديد المواقع الخاصة بالكتب المصوَّرة..

لكن مع كل ذلك هل يمكن القول: إن فكر ابن نبي قد انتشر على النحو الصحيح، ووصلت أفكارُه إلى المجتمع الكبير العريض، على الأقل إلى مجاميع الطلبة والطالبات في الجامعات والمراكز الجامعية.. وإلى نخبة المجتمع من أساتذة ومشتغلين بالفكر والثقافة؟.

أعتقد أن الجواب سلبيّ. وهناك أكثر من دليل على ذلك.

1ـ ما تزال مجموعات كبيرة وكثيرة العدد من الجامعيين لا تعرف عنه لا قليلا ولا كثيرا، في مختلف الشُّعب والأقسام والكليات، شرقا وغربا جنوبا وشمالا، في وطننا وعالمنا العربي وفي إقليمنا المغاربي.

2 ـ إن فكر مالك بن نبيّ فكر عمليّ يحرص على “البعد الاجتماعي” للثقافة، فخلاصة فكره نجدها في تأكيده على أن تكون للثقافة وللفكر دورُهما في صناعة الواقع وصياغته صياغة جديدة جيدة. والواقع يقول: إن حالنا من البؤس؛ بحيث يصعب إيجاد أي أثر للفكر والثقافة فيه.. ما يعني أن فكر بن نبي مازال بعيدا عنّا، وبعيدا عن الاستخدام العادي، فما بالك بالاستخدام الأمثل والانتفاع به في صياغة شُعب الحياة، كما فعل آخرون من المسلمين هنا وهناك.

3 ـ أيضا مما يُعرف ويُقتبس من مالك بن نبي في فكره ونمط تفكيره ذلك الحرصُ على تعزيز القيم المتعلقة بـ”الفعالية”، “الإشعاع” والتأثير، و”التغيير”، و”التوتر الإيجابي”، و”المثقف الفاعل” في مجتمعه ومحيطه… وكل هذا لا نكاد نجد له صيغا واقعية ونماذج مقنعة، بل إن الموجود هو انتشار عدد من المثقفين المهتمين وتشكّلهم فيما يشبه ناديا مغلقا يلوكون أفكاره ونظرياته ويطرحونها ويعيدون طرحها بشكل شبه آلي، ويحضرون اللقاءات ويحاضرون ويناقشون.. ثم ينتهي الأمر.

فأين يكمنُ الإشكال إذن؟

هذه خمس خطوات عملية، ولها ما بعدها، يمكن أن تفيد في تحقيق إعادة إحياء فكر بن نبي في أرض الواقع:

أولا: من السليم القول: إنه بالرغم من هذا الانتشار، في الأزمنة الحديثة، لكتب وأفكار بن نبي (رحمة الله عليه) فإن هذا الانتشار لن يحقّق مراده إلا بجملة من الإجراءات التي ينبغي أن تستهدف “تبسيط” أفكاره وتصنيفها وبلورتها في شكل مقولات في سياق معرفي اجتماعي ما، ثم وضعها موضع التنفيذ العملي بعد ذلك، ونحن نعلم أن فكر ابن نبي فكرٌ عملي، ذو بعد اجتماعي واقعي كما سبقت الإشارة، ولذلك فالحاجة إلى تفعيل هذا الفكر وإعداده في شكل برامج وخطط أنسبُ وأجمل ما يمكن عمله تقديرا لهذا المفكر الفلتة، وإعمالا في إنفاذ رؤاه وأطروحاته، بتحقيقها وتنزيلها على أرض الواقع، كما فعلت ذلك بعض النخب في بعض الدول الإسلامية واستثمرت في نظرياته وأفكاره ما ساعدها على إحراز تقدّم ملموس في قطاعات حياتية عدة.

ثانيا: لعل من أنجع الأساليب في فهم وتفهيم فكر ابن نبي الدعوة إلى تلخيص كتبه، أي استيعابها ثم إعادة صياغة أهمّ أفكارها بأسلوب الملخّصين من الباحثين والباحثات، أي ببصمة ذاتية لكل قارئ ومتلقّ، فذلك أدعى لفهم أعمق وأصدق لأفكار مالك بن نبي.

ثالثا: مما ينبغي التفكير فيه بجدية ـ في إطار تعزيز أفكار ومشروع ابن نبي ـ أن يعمل العاملون على تجسيد تلك الأفكار في مجموعات عمل وفرق مدارَسة ومناقشة وبحث، تستنتج الأهمّ من أفكاره ورؤاه ونظرياته بما يسمح بتسطير برنامج عمل في مختلف المجالات التي خاض فيها بفكره ومنهجيته. الأولى فالأولى..

رابعا: الاستفادة من تفاعل وتعامل الغير مشرقا ومغربا (مصر، سوريا، لبنان، موريتانيا، المغرب، ماليزيا، إيران، تركيا، اندونيسيا، فرنسا…) من طرائق تعاملهم مع ابن نبي؛ إذ يُدرَّس في حلقات فكرية نقاشية، ومن خلال مدارَسة علمية متينة وعميقة، وإعداد ورقات بحثية مركزة، وأيضا من خلال تطويع فكره وتنزيله على أرض الواقع في شكل برامج ومشاريع عمل، وأدوات في مواجهة الصراعات الضخمة القائمة في واقعنا السياسي اليوم.
وقد أفلحت بعض تلك الاشتغالات في تقديم إجابات جديرة بالدراسة والاهتمام، تتجلى في إشارات بعض المفكرين والزعماء إلى استفادتهم من فكر ابن نبي بشكل جيِّد وممتاز، في ماليزيا خاصة وتركيا وتونس والمغرب وبعض الأقطار الإسلامية والعربية الأخرى.

خامسا: من المفيد كذلك العكوف على ترجمة بعض كتبه وأفكاره ورؤاه وتصوُّراته إلى اللغات العالمية الكبرى وبعض اللغات الإسلامية: الانجليزية، الفرنسية، الصينية، الاسبانية، الألمانية، الأوردو، التركية، الفارسية… لتوسيع دائرة قراءته وفهمه، وإتاحة فكره لكل من يريد الاطلاع عليه ومُدارَسته ونقده، فهو مفكرٌ إنساني عالمي إسلامي بحث شؤون النهضة في المجتمعات الإنسانية، مع التركيز على بلدان العالم الإسلامي الذي أكّد أن تقارب دوله وأقطاره سيغير مسار التاريخ مرة أخرى، وهذا الطموح مما يجب أن تعمل عليه النخب العارفة العالمة في عالمنا الإسلامي الوسيع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!