-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دراما النّسخ المتطابقة: عندما يصبح التّمثيل إعادة تدوير!

عَمَّار قواسمية
  • 395
  • 0
دراما النّسخ المتطابقة: عندما يصبح التّمثيل إعادة تدوير!
ح. م

يقتصر الموسم الدرامي الجزائري (Algerian Drama Seasonality) على شهر رمضان، حيث تُكثَّف الإنتاجات التلفزيونية في هذه الفترة، مُخَلّفا فجوة زمنية تمتد لأشهر طويلة، يبقى خلالها جُلُّ المُمَثِّلِين بين حالَين: إما في بطالة فنية (Artistic Unemployment)، أو منشغلين بأعمال ما قبل الإنتاج (Pre-Production) من كتابة وتصوير وتحضير. وَتؤدي هذه الدورة الإنتاجية غير المتوازنة إلى نمطية تمثيلية واضحة؛ إذ نَجِدُ المُمَثِّلَ الواحد في أكثر من عمل خلال المَوسم ذاته، ولكن دون تغييرات جوهرية في مظهره أو طريقة أدائِه.

وفي عالم الدراما والسينما العالمية، يُعَدُّ التحوّل الجذري في مَظهر المُمَثِّلِين وأدائهم سِمَةً بارزةً تُضفي عُمقا ومِصداقية على الشخصيات التي يُجسّدونها. ويُظهر هذا النّهج التزام الممثلين بتقديم أداء مُتقَن ومُقنِع. ومن الأمثلة البارزة عن هذا: (1) “ماثيو ماكونهي” في فيلم (Dallas Buyers Club)، وفيه فَقَدَ وزنا معتبَرا لتجسيد دَور مَريضٍ بالإيدز؛ مِمَّا أضفَى مصداقية درامية (dramatic credibility) وواقعية للشخصية، وقَد حاز بفضل هذا الأداء على جائزة الأوسكار لأفضل مُمَثِّل. (2) “هِيث ليدجر” في فيلم (The Dark Knight)؛ إذ قدّم أداء استِثنائِـيّا في دَور (The Joker)، حيث ابتكر صَوتًا مُمَيَّزًا وتعبيرات وَجهٍ فَريدة، مِمَّا جعل هذه الشخصية أيقونةّ في تاريخ السينما العالمية.

أما في غياب التقمص الفيزيولوجي للشخصية فإنّ ظُهور الممثِّل يتكرّر بالهيئة نفسها، حتى أن بعضهم لا يُكلّف نفسه عناء تعديل النمط البصري للأداء (Visual Performance Style)، فلا يُغَيِّر تسريحة شعره، ولا يضيف أي تفاصيل جسدية تمنح الشخصية خصوصية درامية، كَأنْ يظهر بذراع مبتورة، أو أصلع الشعر، أو بلحية كثيفة، أو حتى بإبراز البطن أو تغيير طريقة المشي. ولا يقتصر هذا الجمود على المظهر، بل يمتد إلى الأداء الصوتي، حيث نادرا ما يَشتغل الممثّل على اكتساب لهجة جديدة أو تطوير تحوّل صوتي تمثيلي..! ونَتيجةً لذلك، يَفقدُ المُشاهِدُ القُدرةَ على التماهي مع الشخصيات، حيث يُصبِحُ حُضور المُمَثِّل أقرب إلى إعادة إنتاج ذاتي (Self-Reenactment)، بدلا من أن يكون تجربة درامية متجددة.

ولتجاوز هذه الظاهرة، يجب إعادة النظر في دورة الإنتاج التلفزيوني (TV Production Cycle)، عبر توسيع الموسم الدرامي ليشمل فترات أخرى من السنة، ما يَمنح المُمَثِّلِين فُرصةً للنُّمُوِّ الفَنِّيّ دُونَ ضَغط شهر رمضان. كما أن استِقدامَ برامج التدريب التمثيلي المستمر (Ongoing Acting Training Programs) ضرُوريّ جِدّا، بحيث يكتسب المُمَثِّلُون أدواتٍ جديدة في التشخيص الدرامي، ويتدربون على التحوّلات الفيزيائية والصوتية التي تجعل أداءهم أكثر ديناميكية.

وَعِلاوة على ذلك، ينبغي تعزيز ثقافة التوجيه التمثيلي (Acting Coaching)، حيث يَعمل المُتَخَصِّصُون في تحليل الشخصيات الدرامية (Character Analysis) على توجيه الممثلين نحو التنوع التعبيري (Expressive Versatility)، سواء على مستوى الحركة أو التنغيم الصوتي أو التأثير البصري. كما يُفَضَّل إدماج مُستَشارِين في التشكيل البصري للأداء (Visual Acting Formation)؛ لمُساعَدة المُمَثِّلِين على اعتِماد تغييرات جذرية في المظهر بما يتناسب مع طبيعة الأدوار.

أما على مستوى الإنتاج، فإن تطوير ورشات عمَل للتَّدَرُّب على اللَّهجات واللُّكنات لَهُوَ خطوة ضرورية تُمكّن الممثّل من أداء شخصيات بلَهجات ولُكنات مختلفة عن الأصلية التي يَمتَلِكُها، ممّا يرفع من مستوى المِصداقية التمثيلية (Acting Authenticity)، ويَخلق تَمايُزا واضحا بين الشخصيات، بدلا من أن تبقى جميعها محصورة ضمن إطار صوتي واحد.

إن النهوض بالصناعة الدرامية الجزائرية يستدعي تجاوز التمركز الموسمي للإنتاج، والشّروع الفوري في تأسيس بيئة إنتاجية أكثر استدامة، تُتيح للمُمثّلِين رِحلة فَنِّيَّة متجددة بدلا من التكرار الآلي للأداء؛ فَالمُشاهِدُ اليَومَ لا يكتفي بِالمُحتوَى البصري التقليدي، بل إنه يبحث عن تَمثِيل مُتَحوّل وتَقَمُّص متجدّد، قادران على دفع حدود الإبداع وتقديم تجربة درامية أكثر إقناعا وتأثيرا.

وفي ما قلّ ودلّ، أقول: إنّ الاستِثمار في تحسين الأداء التمثيلي والارتقاء بأساليب تجسيد الشخصيات سيسهم في إحداث نهضة درامية جزائرية، تُنافس الإنتاجات العربية والعالمية، وتَمنَحُ المُمَثِّلَ الجزائري فُرصَةً لإبراز مَوهِبَتِه على نِطاق أوسَع.

القنوات الجزائرية في رمضان: انطِباعات مُشَاهِد (4)

القنوات الجزائرية في رمضان: انطِباعات مُشَاهِد (3)

القنوات الجزائرية في رمضان: انطِباعات مُشَاهِد (2)

القنوات الجزائرية في رمضان: انطِباعات مُشَاهِد (1)

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!