دفاعا عن الشعب الإيراني

القضية هي قضية الحق في الاستقلال والاستقرار والعدل والحرية، قضية الشعب الإيراني في مواجهته للحملة العسكرية الصهيونية الغربية الدولية، على أرضه ومن داره وبنظامه السياسي الذي اختاره لنفسه، عن رضى أو عن سخط لا يهمني الآن… ما دام الأمر داخليًّا، وقد شاركت الكثير من القوى الدولية الظاهرة والمستترة، ماديا ومعنويا، في دعم الصهاينة على جرمهم في هذا حق الشعب.
لا يليق بمن في قلبه ذرة من إيمان ورجولة وكرامة، أن يتشفَّى أو يفرح لضرب الشعب الإيراني في عقر داره، من طرف أعدى أعداء الإنسانية، وهو يمر بهذه المرحلة الحرجة، فضلا عن أن المقصود بالضربة -في العمق- هو جميع القوى الحية في العالم عامة من المتمردين عن القطبية الأحادية، ومنهم العالم الإسلامي خاصة، والشعوب الإسلامية بشكل أخص. أما أنظمة شعوب العالم الإسلامي فهي بين عميل ظاهر أوسلطة جائرة خائنة لشعبها.
لقد تابعت الكثير من التعليقات على الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة وما ابتليت به من أحداث، فرأيت المتشفِّي الذي رأى في المعركة أن خلاصتها، عبارة عن ضرب ظالم بظالم، ومن ثم فهي في الطريق الصحيح، فالشيعة ظلمة والصهاينة ظلمة “والله لا يهزّ فاس على اهراوة”! بينما اعتبر الموالون للنظام الإيراني بأن المعركة مصيرية وتمثّل عصب المعارك التي بين الحق والباطل، فالانتصار لها انتصارٌ لا خذلان بعده، وخذلانها خذلان لا انتصار بعده.
والأمر في تقديري ليس بهذه البساطة من التسطيح، بقدر ما فيه من البساطة والوضوح.
أما البساطة والوضوح، فما يتعرض له الشعب الإيراني من قصف وتدمير ظلم كبير، لا يجوز التغافل عنه، مهما كان الموقف من النظام الإيراني، فمناصرة الحق في الاستقلال والعدل والحرية والاستقرار واجب مبدئي وأخلاقي، من حيث أن ذلك حق لكل شعب على وجه الأرض، وحق هذا الشعب في التسلح واكتساب القوة والتفوق وتسجيل الحضور كقوة فاعلة في أرض الواقع، كحقه في الحرية والاستقلال والاستقرار، ومن حق الأنظمة أيضا. وليس من المنطق أن تمكَّن بعض الشعوب، من أسباب القوة ويحرَم منها غيرها، ويحق لبعض المجتمعات الحرية والحرية والاستقرار ولا يحق لغيرها ذلك.
وبأي حق يحرم هذا الشعب أو ذاك مما يتمتع به غيره؟ أسئلة بسيطة، والجواب عنها أبسط؛ لأن المنظومة الدولية مبنية على هذه الأسس المعوجة فـ”الركبة مالية” كما يقول المثل الشعبي.
أما ما لا يقبل التسطيح، فالنظام الإيراني، كغيره من الأنظمة يعمل على أن يكون له حضورٌ إقليمي قوي في عالم لا مكان فيه للضعفاء، وقد حقق النظام الإيراني الكثير من مما أراد تحقيقه، وذلك أمر مشروع ولا غبار عليه. وليس من حق العاقل أن يلوم أو يحتج على نظام سياسي يريد أن يكون قويا… ومن أصر على ذلك، فمكانه المصحة، وليس العيش بين الناس.
وحق الشعب الإيراني علينا في إقراره والوقوف إلى جانبه في كل حق مشروع، لا يسمح لنظامه السياسي الذي اختاره الشعب أو فرض نفسه بقوة السلطة، أن يستغل هذه العاطفة الطيبة والمواقف المبدئية، التي أعلنت عنها الشعوب الإسلامية قاطبة وقد عبّرت عنها قبل اليوم بوضوح لا غبار عليه منذ سنة 1979 عندما انتصرت ثورة الشعب على الطاغية الشاه رضا بهلوي.
ولكن النظام الإيراني بعد الثورة بكل أسف لم يكن في مستوى تلك الثقة، التي وضعتها الشعوب فيه، بسبب ما ظهر به من انغلاق تجاه باقي المسلمين غير الشيعة، ابتداء من فكرة تصدير الثورة التي فرضت على الشعبيين الإيراني والعراقي حربا دامت 8 سنوات، وانتهاء بالاصطفاء الطائفي الذي جعل النظام الإيراني يرهن طرفا من العالم الإسلامي وفق منهجية طائفية ظاهرة، من حزب الله في لبنان إلى الزيدية في اليمن والبحرين، ناهيك عن القافلة العريضة من الموالين للنظام الإيراني والمجندين من الشباب المسلم، الذي لا يهمه إلا انتصار الإسلام، ليجد نفسه في كماشة المذهب الشيعي.
وأنا هنا لا أناقش حق الدولة الإيرانية فيما تريد فعله مع خصومها، فذلك مشروع، ومن حقها علينا مناصرتها، وإنما أناقش مدى مشروعية تسويق هذا المشروع المذهبي، باسم الإسلام ومناصرة قضاياالأمة ومنها قضية فلسطين؟! هذا الذي أناقشه، ولا أرى من الضروري الجمع بين مناصرة الشعب في حقه والدفاع عنه في المظالم المسلطة عليه، وإقرار النظام في مظالمه لشعبه وباقي شعوب العالم الإسلامي، والتسليم بالتلبيس بين القضايا المختلفة والمتباينة.
إيران دولة لها ثقلها في المنطقة، ولها قوتها، وهي في مستوى الدول منذ عهد الشاه، دولة قوية حديثة وفي مستوى الدول وليس كومة من العشائر والقبائل شكّلت دولة ووضعت لها قطعة قماش ملوّن سمّتها عَلما.
لا يليق بمن في قلبه ذرة من إيمان ورجولة وكرامة، أن يتشفَّى أو يفرح لضرب الشعب الإيراني في عقر داره، من طرف أعدى أعداء الإنسانية، وهو يمر بهذه المرحلة الحرجة، فضلا عن أن المقصود بالضربة -في العمق- هو جميع القوى الحية في العالم عامة من المتمردين عن القطبية الأحادية، ومنهم العالم الإسلامي خاصة، والشعوب الإسلامية بشكل أخص. أما أنظمة شعوب العالم الإسلامي فهي بين عميل ظاهر أوسلطة جائرة خائنة لشعبها.
وكما أعيب على خصوم إيران بالمنطقة من الذين يتشفّون ولا يشعرون بالظلم المسلَّط على الشعب الإيراني، وأصدروا بيانات بذلك وكأن القضية لا تعنيهم وهم معرَّضون لما تمر به إيران اليوم وأكثر، فإنني أدعو المسؤولين الإيرانيين، والموالين لهم من المسلمين عموما، إلى مراجعة انشطتهم الطائفية في العالم الإسلامي، رفعا لما يعانيه المسلمون من تشتُّت في الموقف منهم، الذي لا يسمح لهم باطراد الموقف المبدئي؛ لأن التعامل الطائفي في العلاقات بين المسلمين لا يمكِّن الناس من اتخاذ الموقف الصحيح في القضايا العادلة ومناصرتها.
إن جموع الأمة وسوادها، لا يرضى للشعب الإيراني الشر، أو يتمنى للنظام الإيراني الهزيمة، ولكن لا يقره على ما يرى من مظالم يرتكبها هذا النظام في حق شعوب العالم الإسلامي، من الشعب السوري والشعب العراقي والشعب الأفغاني الذي فتحت عليه أبواب جهنّم من خلال الفضاء الإيراني… كما لا يمكن أن يستمر تسويق المواقف الطائفية والقومية، تحت غطاء مناصرة القضية الفلسطينية، وأفضل من يحدِّثنا في هذا الموضوع بالذات الشيخ صبحي الطفيلي الإمام الشيعي العربي اللبناني، مؤسس حزب الله، رجل المقاومة والجهاد المبرّإ من الشوائب الطائفية القومية، الذي رفض الارتماء في حضن إيران؛ لأنه يؤمن بالمقاومة المستقلة عن أي وعاء آخر.
إن الأمة تمر بمرحلة حرجة جدا في ظل هذا التخاذل العربي المنبطح، وموقع إيران في المعادلة له ثقله، ولكن إذا استمر النظام الإيراني في طريقه الطائفي القومي المنغلق، فإنَّ ما تتميز به إيران من ميزات عن غيرها من المسلمين، سيسقط في مستنقع الفساد السياسي الأخلاقي والمالي، وما نشاهده من اختراقات للمجتمع الإيراني ومؤسساته، من قبل الموساد الصهيوني والمخابرات المركزية الأمريكية، لأكبر دليل على السقوط لا قدر الله، فاغتيال هنية ومقتل عدد من الخبراء والقياديين الأساسيين في الدولة وقبل ذلك مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم الرئيسي… كل ذلك لا يكون في العادة في دولة تمتلك قدرا من الاستقرار يسمح لها بخوض معارك دولية كبرى إن لم تكن مدعومة، ومن الدعم الذي لا يستغنى عنه نظام راشد، دعم شعوب العالم الإسلامي التي تعتبر هذه الدولة جزءا منه.