دلالات سقوط اللائكيين في بنغلاديش
أكثر من 15سنة والحكم اللائيكي الذي يُسمِّي نفسه “يسار الطريق الثالث” أو “الليبرالي الاجتماعي”، يحكم بنغلاديش بقيادة الشيخة حسينة برغم أن هذا البلد هو ثالث بلد مسلم من حيث عدد السكان بعد اندونيسيا وباكستان، إذ يبلغ عدد سكان بنغلاديش نحو 175مليون نسمة 90% منهم مسلمون.
وكان يُفترَض أن يُشكِّل هذا البلد وحدة واحدة مع باكستان بعد الانفصال عن الهند سنة 1947، بل كانت بنغلاديش تُسمَّى “باكستان الشرقية” رغم أن المسافة بينهما تزيد على 1600كلم! وهذه من مخططات الاستعمار البريطاني الأخرى لِتفكيك العالم الإسلامي وتوزيع سكانه على دول صغيرة متناحرة. وهو الذي حدث بالفعل تجاه مسلمي شبه القارة الهندية الذين تشتّتوا عبر ثلاث دول هي باكستان وبنغلاديش والهند. والغريب أن أكبر تجمع سكاني للمسلمين في العالم تُرِك داخل دولة غير مسلمة وكان ذلك في الهند بنحو 200 مليون مسلم! مما يجعل هذا التجمُّع من حيث العدد يساوي تقريبا عدد سكان باكستان وأكبر من غالبية الدول الإسلامية!
جرى هذا التخطيط لكي لا يتوحَّد المسلمون، بل لكي يَتصارعوا، وهو ما حدث بالفعل بين باكستان الشرقية (بانغلاديش) وباكستان الحالية، وأدى إلى صراعات دموية كان من نتيجتها استقلال بنغلاديش عن باكستان سنة 1971 بعد حرب ذهب ضحيتها نحو 3 ملايين شخص من الجانبين! جميعهم من المسلمين! وأذْكَت الهند هذا الصراع لِيصل الموالون لها إلى الحكم. ومنذ ذلك التاريخ وهي تدعم الاتجاه اللائكي الذي يشكل أقلّية للوصول إلى السلطة والبقاء فيها..
ومن بين رموز هذا الاتجاه الشيخة حسينة ابنة أول رئيس البلاد (مجيب الرحمن بعد الانفصال) التي حكمت ما بين 1996 و2001 مع بداية انتشار الموجة الديمقراطية في العالم مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم حكمت من سنة 2008 إلى غاية انتفاضة الشعب ضدها قُبيل العهدة الرابعة في الأسابيع الأخيرة من هذه السنة والإطاحة بها.. وليس هناك من دلالة لهذا الحدث سوى أن موجة الهيمنة الغربية تحت عنوان “نشر الديمقراطية” بدأت تنحصر. ومن قارّة إلى قارّة باتت هذه القوى الغربية المُهيمِنة تفقد قواعدها ونفوذها مع انتفاضة الشعوب ضدها في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية التي بدأت في السنوات الأخيرة بأشكال متجددة.
ومن خلال هذا بدا واضحا في هذه الفترة أن تمرُّد الجنوب العالمي ليس ظاهرة عابرة إنما هو اتجاه يأخذ من القيم الوطنية توجُّهاته حيثما ظهر… ولعل هذا الذي يُفسِّر ظاهرة كثافة الهجمات الغربية على كل محاولة للإفلات من كمَّاشة الهيمنة أو مقاومتها في أيِّ بقعة من بقاع الأرض.
وعليه فإن التحامل على السلطة الجديدة في بنغلاديش من قبل الغرب المتحالف سيزداد، ومحاولات منع الأغلبية من الحكم ستتعدّد، لا يهم إن كانت تحظى بالتأييد الشعبي أو لا تحظى.. كل الوسائل ستُستخدم من الآن فصاعدا لمنع القوى الوطنية المتحالفة مع الإسلاميين، وبخاصة الحزب الوطني، من البقاء في الحكم ومعارضة المخططات الغربية، إلا أنها ستفشل؛ ذلك أن بنغلاديش الصاعدة قد فَلتت الآن وإلى غير رجعة من قبضة الغرب الحاكم باسم الأقلية اللائكية في البلاد.