دمعة حبر.. !
أمتنا، أمة إقرأ، لا تقرأ، أو ما هي بقارئة، وإن قرأت لا تحسن القراءة، ولذلك فهي تعيش في ليل مظلم الحواشي، حالك الجوانب.:
فقد فشلت الأمة الإسلامية في السمو إلى قراءة الوحي المنزّل من السماء، فحكمت على نفسها بالعيش على الأرض ولكن في الدهاليز، والأقبية، والكهوف، فكان هذا الانقطاع بينها وبين السماء حيث الشمس المضيئة، والكواكب المقمرة، وسعة الفضاء الرحب.
وأخفقت أمتنا في قراءة الكون العجيب بأطواره وأسراره، ببحاره، وأنهاره، باكتشافاته وأفكاره، فأصيبت من جراء ذلك بالإعاقة والقصور، والعجز عن التصدي لعظائم القضايا وعجائب الأمور، فحكم عليها بأن تعيش بين جنبات هذا الكون، مغمضة العقل، معصوبة الضمير، مكبة على وجهها.
كما رسبت أمة إقرأ في قراءة التاريخ، قراءة دقيقة لاستنباط أصول الطبيعة البشرية، فعاشت في ثنايا التاريخ على هامشه، فاقدة للوعي بحقيقة التاريخ، وتحولت بسبب ذلك من فاعلة في التاريخ إلى مفعول بها، وها هي ـ اليوم ـ تعاني ما يصفه الفيلسوف المغربي المتدين أحمد ياسين بالغثائية. إن الغثائية في فقه الحضارة الإسلامية، هي داء التقليد والاتباعية، وفقد الثقة بالذات والإصابة بالإمّعية.. وهو ما جعل أمتنا تهون على نفسها، وعلى الناس.
إن فشل أمتنا في فقه القراءات الحضارية، من قراءة الوحي، وقراءة الكون، وقراءة التاريخ، هو سر ما تعانيه من محن سحق الذات، وغزو الحياة، واستغلال الحقول، وتكبيل العقول، وتأميم الزيوت، واحتلال البيوت.
وكيف يرجى برء أمة، تحمل كتابا يدعوها إلى فقه الذات وفقه الحياة، فتدير وجهها وعقلها عنه، إلى كتب تخضعها للملذات، ومتع النزوات؟
وأنّى يكتب لأمة شفاء ما هي فيه وهي لا تحسن قراءة كتابها الذي ـ إن هي فقهته ـ يعلو بها إلى القوة في كنف المساواة بين القوي والضعيف، بمنهج يرفع الضعيف نحو القوي، ويكبح جماح القوي، حتى لا يستبد ولا يستعبد؟
إن قراءة واقع أمتنا، في ضوء ما تتعرض له من محنة ومعاناة، وما تعيشه من مخاطر احتلال أرضها وانتهاك عرضها، وتعطيل فرضها ومضاعفة ديونها وقرضها، ليكشف لها بكل يسر، عن جذور هذه المحنة والمعاناة، وتفسير أسباب الحروب والفتن والانقسامات.
لقد بلغ السيل الزبى، وما بعد هذا الوباء من ويل.. وإن المحنة في علم النفس الاجتماعي موقظة للنفس، ومساعدة على تقوية إدراك الحس، فَلِمَ لا يتنادى مثقفونا، وعلماؤنا، والفئة الخيّرة في مجتمعنا، إلى إعادة النظر في فقه الهزيمة، وعلم العزيمة، فنعمل على غسل ما اعترى العقول بالعلم، وتصحيح ما أصاب أنفسنا من تحريف وتزييف بالإيمان.
نحن مدعوون جميعا ـ كل من موقع مسؤوليته ـ إلى القيام بعملية التغيير الضرورية، بإعادة بناء الإنسان على أساس منهج القراءة في أنبل وأسمى معانيها.
فأمتنا، تبعث اليوم من أعماق، أعماق محنتها ومعاناتها، بنداء الاستغاثة والنجدة، لتخليصها مما هي فيه، وليس، بغير منهج فقه القراءة الذي دعانا إليه التدين المنصوص، يمكن إحداث التغيير المنشود.
إن أمتنا تلقى اليوم درسها، وعلى القائمين عليها أن يحسنوا الإصغاء للدرس.