دموع كيليا ودموع إيمان
ما بين دموع الجمبازية كيليا نمور، بمجرد أن وضعت قدميها على الأرض بعد رحلة طيران على العمودين المتوازيين، ودموع الملاكمة إيمان خليف عندما أيقنت من بلوغها نصف النهائي، طوفان من دموع الفرح والتأثر من الجزائريين والجزائريات، من الذين يعرفون قصة الفتاتين اللتين دفعتا في رحلة الذهب، أو المجد، من حياتهما الكثير، فجاء التتويج الرياضي والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي، تتويجا لمسار رياضية وجدت الأولى في طريقها بدل العمودين المتوازيين، أعمدة وُجِّهت صوبها من كل مكان، ووجدت الثانية نفسها تلاكم العالم بأسره، من الذين قبلوا بالمتحوّلين كرياضيين منافسين، وأشهروا للمثلية في حفل افتتاحهم الألعاب الأولمبية، وانتقدوا خلق الله في إيمان!
الأزمة تلد الهمّة فعلا، وما وجدته كيليا من حبّ الجزائريين، ما كان ليكون بهذا الشكل لو لم تكن جمبازية فرنسية سابقة، ذاقت من محاولة تحطيمها ما ذاقت، فوجدت نفسها في باريس في أحسن مكان، للرد النبيل على من حاولوا طردها من عالم الرياضة، ووجدت الألعاب الأولمبية أحسن زمان للبرهان، على أنها ابنة تحدٍّ، ومنحت والدها ابن قسنطينة، أحلى هدية في حياته.
ومن أضيق الأبواب التي دُفعت إليها دفعًا من مسؤولي الرياضة الفرنسية، إلى أوسع الأبواب مجدا، الذي دخلت منه برفقة مسؤولي الجزائر وشعبها الذي هطل عليها حبا واحتراما، لصغيرة ردّت عليه بالمعدن النفيس، وستبقى تلك اللحظة التي عُزف فيها النشيد الوطني ورُفع العلم الجزائري في باريس، من ابنة مزدوجة الجنسية، حدثا تاريخيا من الصعب نسيانه.
وما وجدته إيمان خليف من تضامن من دون حدود من أبناء وطنها، وهي تتعرّض لتنمُّر ذبابي من عامة الناس ومن رياضيين وفنانين وحتى كبار الساسة في بلاد الغرب، هو من منحها الإرادة لتحقق نفسها، وتحمي أخواتها والباقيات، في ألعاب قادمة.
لم يكن أمام الصغيرة كيليا وهي تعود إلى حضن الأرض، بعد طيرانها المبهر، إلا أن تنفجر بكاء، ولم تكن أبدا دموع فرح، فما عانته في فرنسا، فجّر حسرتها. ولم يكن أمام إيمان وهي تنهي طوفان لكماتها في وجه منافستها المجرية، إلا أن تنفجر بكاء، لا شيء فيه من دموع الفرح، وإنما أرشيف سريع من الاتهامات بالاحتيال وبالمساس بكرامتها، مرّ أمام ناظرها بسرعة البرق، وتحوّل إلى رعود من الأسى، فجّرت سُحبا من الأمطار.. عفوا من الدموع.
يجب أن يعلم الجزائري، بأن رحلته إلى المجد ستكون معقدة جدا، فإذا كان الحال في الرياضة، قد وصل إلى هذا الحدّ، فما بالك في قطاعات حساسة، من اقتصاد وتكنولوجيا وعلم وتسلُّح، ولن يصل أي جزائري إلى المجد، إلا ووجد بركانا من الأحقاد وإحباط العزيمة كما حصل لإيمان وكيليا، وأكثر، ولن يكون له في سبيل النجاح غير العزيمة، واستراحة دموع، وفي النهاية ذهب وأمجاد.