دور الشباب في تحقيق التنمية في العصر الرقمي
تُعد التنمية المستدامة من القضايا الرئيسية التي تواجهها المجتمعات في القرن الواحد والعشرين، إذ تسعى الأمم إلى تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي بيئي يضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية من دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
ويعد الشباب من العناصر الحيوية في تحقيق هذا الهدف، فبحكم تطورهم العقلي والجسدي وطاقاتهم المبدعة، يمكنهم أن يساهموا بشكل فعّال في دفع عجلة التنمية في العصر الرقمي، مما يفتح أفقًا واسعًا للتغيير. لكن لماذا الشباب؟
يمثّل الشباب الشريحة السكانية الأكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا والابتكار، ولديهم القدرة على التأثير في العديد من المجالات مثل التعليم، والصحة، والاقتصاد، وحماية البيئة.
من خلال التفاعل مع التحولات الرقمية، يمكن للشباب أن يساهموا في تطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية مثل تغير المناخ، والفقر، وتوفير التعليم للجميع. كما أن مشاركتهم الفعالة في الحوكمة وعمليات اتخاذ القرار يمكن أن تساهم في خلق سياسات فعالة تركز على الاستدامة.
وبالنظر إلى سياق التحول الرقمي الذي يشهده العالم، فإن تزايد الفرص التي يمكن أن يوفّرها التحول الرقمي للشباب يمكن أن تساهم في تطوير دور الشباب في التنمية المستدامة على غرار التعليم والتدريب الرقمي؛ إذ توفر منصات التعليم الإلكتروني الفرصة للشباب للوصول إلى تعليم عالي الجودة، مما يعزز من مهاراتهم وقدراتهم ويجهِّزهم للمشاركة في سوق العمل الرقمي إلى جانب المبادرات الرقمية المجتمعية.
ويمكن للشباب استخدام منصات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة لتعزيز الوعي المجتمعي بشأن قضايا التنمية المستدامة، مثل حماية البيئة أو دعم الاقتصاد الأخضر، فضلا عن ريادة الأعمال الرقمية؛ إذ يوفر العصر الرقمي فرصًا كبيرة لروّاد الأعمال الشباب لإنشاء مشاريع مبتكرة تساهم في النمو الاقتصادي المستدام، مثل إنشاء تطبيقات بيئية أو منصات تعليمية، وحتى المشاركة السياسية والتأثير الاجتماعي، ويستطيع الشباب المشاركة في الحوارات السياسية والاجتماعية، والمساهمة في صياغة السياسات العامة التي تركز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال وسائل التواصل الرقمي.
على الرغم من هذه الفرص التي يوفرها العصر الرقمي، إلا أن هناك عدة تحديات تواجه الشباب في مسارهم نحو تحقيق التنمية المستدامة. من أبرزها:
الفجوة الرقمية: لا يزال هناك العديد من الشباب في المناطق النائية أو الأقل تقدمًا الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة أو الإنترنت، مما يحد من قدرتهم على الاستفادة من الفرص الرقمية. إنّ التعليم الرقمي له أثر في تحقيق تعليم شامل يواكب احتياجات سوق العمل المستقبلي.
الأمر الآخر كذلك الذي قد يؤدِّي إلى زيادة معدلات البطالة بين الشباب، خصوصًا في المناطق التي لا تتوفر فيها مهارات رقمية متقدمة لاسيما ما تعلق بتزايد المنافسة على الوظائف الرقمية وهو ما يمكن التعبير عنه بالبطالة الرقمية من دون الغفل عن السلامة الرقمية التي تبقي التحديات التي يمكن أن تعرقل التحول الرقمي للشباب، فمع تزايد الاعتماد على الإنترنت، يتعرض الشباب أيضًا لمخاطر مثل الهجمات السيبرانية، والتحرش الإلكتروني، والتضليل الإعلامي، مما يؤثر على سلامتهم النفسية والاجتماعية.
إن تحقيق الغاية المنشودة ولضمان أن يؤدّي الشباب دورًا محوريًّا في التنمية المستدامة، يجب على الحكومة والمؤسسات تقديم الدعم اللازم، يشمل ذلك مثلا: توفير الوصول إلى التكنولوجيا كتوفير الإنترنت والتعليم الرقمي لجميع فئات الشباب، وخاصة في المناطق النائية من خلال الاستغلال الأمثل لمراكز الشباب وفتح نوادي خاصة،
وتقديم برامج تدريبية، وتطوير مهارات الشباب في مجالات التكنولوجيا والابتكار لتأهيلهم للمستقبل الرقمي، تحت تأطير منظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال، وكذا تعزيز ريادة الأعمال، كخلق بيئة تشجع الشباب على إطلاق مشاريع ريادية، من خلال توفير التمويل والتوجيه من طرف المؤسسات المعنية. وأخيرا يجب التركيز على حماية الحقوق الرقمية، وضمان بيئة آمنة للشباب على الإنترنت، من خلال وضع قوانين وإجراءات تحميهم من المخاطر الرقمية.
إن دور الشباب في تحقيق التنمية المستدامة أصبح بالغ الأهمية في ظل التحولات الرقمية السريعة التي يشهدها العالم. ورغم التحديات التي قد يواجهونها، إلا أن الفرص التي يوفرها العصر الرقمي كبيرة ويمكن أن تساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال التعاون والتنسيق بين الحكومة، والمؤسسات، والقطاع الخاص، في مسعى ورؤية نحو تمكين الشباب ليكونوا روادًا في هذا التغيير الكبير الذي باشرته بلادنا، مما يضمن استدامة التنمية حاضرا ومستقبلا.
