ذاك الشبل من ذاك الأسد

تتفاعل الأحداث وطنيا ودوليا وتتداخل، لاسيما بعد الانتكاسة الجديدة الذي تسبَّبت فيها حكومة اليمين الفرنسية، حتى أنه بدا وكأنّ فرنسا تتمرن على بروفة “حكم اليمين”، بكل ما يحمله هذا اليمين من أجندات ومشروع تطهيري عرقي تحت يافطة “الهجرة غير الشرعية”.
هذه التمرينات والتدرب على تطبيع الممارسات اليمينية، لاسيما تجاه الجزائر، تبدو وكأنها تحضير فعلي لما ستكون هذه العلاقات مستقبلا في حالة ما إذا تمكّن اليمين المتطرف أو حتى يمين الوسط من الوصول إلى سدة الرئاسة أو البقاء فيها، عبر الاغتراف من بِركة اليمين المتطرف الآسنة، المتحركة منذ عقد، بفعل السياسة الفرنسية والأوربية بشكل عام، تجاه العالم غير الغربي، لاسيما روسيا والصين والعالم النامي وإفريقيا.
الجزائر، من جهتها، تعي الممارسات والسلوك الفرنسي وتفهم عقيدة اليمين واليسار على حد سواء في هذا البلد، بل تحفظها عن ظهر قلب، لما كان لها من تعاملات كأداء مع ملفات عدة في مواقع ومواقف عدة، لا تزال تثير النقع والحبر وكثيرا من التعقيدات ذات الطابع التاريخي أساسها “ذاكرة الإرث الاستعماري”.
لهذا كله، ترى الجزائر في سياسة “الاستحماء” الفرنسية تجاه الجزائر، شكلا من أشكال الاستفزاز وتهديدا لمصالحها بالمنطقة ككل. الجزائر لا تخسر مع فرنسا اقتصاديا، بل هي الرابح الأكبر، على العكس، فرنسا هي من تخسر مصالحها السابقة هنا باضطراد، وتبتعد بشكل يومي من دائرة الاستفادة السابقة والامتيازات الذي لطالما نعمت بها. إنها تعرف ذلك، وتفهم أن العودة إلى الماضي في علاقاتها غير المتكافئة لا سياسيا ولا تجاريا ولا اقتصاديا، لم تعد قائمة، وأن الفردوس لن يبقى “معروضا” دائما، وأن فقدان الفردوس هو ناتج عنوان أطماعها وعقيدتها الاستعمارية المعششة في رؤوس النخب السياسية.
لهذا السبب، توجهت إلى البلد الجار تبيع له الوهم لتعوِّض خسارة الفردوس المفقود في الجزائر، لاسيما وأنها ترى في هذا البلد المتهالك سياسيا وأمنيا واقتصاديا وشعبيا، وهو يعيش حالة الموت البطيء: “الرجل المريض” الذي يجب أن تقسم ثرواته قبل رحيله وأن يكون الورثة حاضرين قبل الموت السريري.
هكذا سعت فرنسا، الحليف و”حرامي حمى الملة والدين والتاج”، في هذا البلد الجار الذي لا يزال يحتاج إلى حماية فرنسية ورعاية كلية، خاصة في ظل الغيبوبة المزمنة للمخزن والتحوّلات الكبيرة التي تطرأ على العالم والبلد والمنطقة.
فرنسا، مع إدارة المخزن، لا يمكنهما أن يحققا شيئا ذا شأن للجزائر، لهذا دخل ثالث الأثافي في لعبة “حلف الشيطان”، ودخل الكيان من باب التطبيع والبيع. بيع البلد برمَّته ورهن أمته، مقابل رهان العرش على بقاء العرش، ولو تحت حكم الصليب ونجمة داود، لا يهم. هذا التحالف غريب الأطوار، ترى فيه الجزائر، ليس مجرَّد مناكفة سياسية، بل بالدليل والبرهان، تأكدت من أنه تحالفٌ خبيث، يهدف إلى زعزعة استقرار البلد وطموحاته الاقتصادية والسياسية المتباعدة شيئا فشيئا عن الإكراهات السابقة في ظل حكومات العصابات. لهذا، بدت الجزائر حذرة من هذا التقارب المدسوس على حدودها الغربية، والذي صار يمتد إلى حدودها الجنوبية، وصولا إلى دول الساحل وحدودها مع ليبيا والميليشيات المهدِّدة للسلم والأمن القومي فيها وفي دول الجوار.
سياسية “الاستحماء” لليمين الفرنسي، والمناورات والتحالف والتكالب مع الجار الغربي للجزائر المتواطئ مع كيان الإجرام والإبادة، يدفع الجزائر الآن إلى أن تقوي ترسانتها الاستحمائية أيضا، مهيِّئة نفسها لكل الظروف والاحتمالات، دفاعا عن اختياراتها الإستراتيجية واستقلال قرارها السيادي، كما فعل شهداء ومجاهدو الأمس: فهذا الشبل من ذاك الأسد.