ذوق المشاهد تغير والجيل الجديد من المخرجين الشباب خير خلف

أثنت الممثلة القديرة عايدة قشود، في حوار أجرته مع “الشروق”، على الأداء المميز للمخرجين الجزائريين الشباب الذين اعتبرتهم خير خلف للجيل القديم من المخرجين أمثال مصطفى بديع بفضل احترافيتهم وتمكنهم من صناعة دراما جديدة تنافس الأعمال العربية فنيا وتقنيا، كما أكدت على ذكاء المشاهد الجزائري وانفتاح شهيته فنيا في حدود القيم الإنسانية والاجتماعية المحيطة به.
في البداية، حدثينا عن الأعمال التي تطلين بها على المشاهد خلال هذا الموسم الرمضاني؟
شاركت هذه السنة في عملين مختلفين تماما، يتمثل الأول في مسلسل درامي على التلفزيون العمومي بعنوان “لفراق”، سيناريو نسيم ياسع وإخراج يوسف محساس، أجسد فيه دور والدة بطل العمل الممثل خالد بن عيسى الذي يؤدي دور طبيب نفسي يتعرض لمشاكل اجتماعية تضطرها للتدخل من اجل حمايته من أعدائه المتربصين به.
ويصور العمل قصة عائلة تواجه التشتت بسبب المشاكل الاجتماعية التي تضع حياة زوجين وأبنائهما على المحك، حيث يعرف المسلسل مشاركة وجوه فنية جديدة انطلاقا من المخرج الشاب يوسف محساس بالإضافة إلى ثلة من الفنانين الشباب أمثال خالد بن عيسى، هيفاء رحيم، ليديا شبوط، نجيب بوسواليم إلى جانب المطربة منال غربي، ونادية بارود، ونوال قدودو اللتان عادتا إلى التمثيل مرة أخرى.
أما العمل الثاني فهو عبارة عن سلسلة درامية كوميدية بعنوان “الرباعة” تبث على قناة الشروق، للمخرج وليد بوشباح، الذي يتناول قصة شاب يقدم على تشكيل فريق متخصص في السرقة والاحتيال، مستغلًا مهارات أفراده في التنكر والخداع للاستيلاء على أموال الضحايا، وعلى الرغم من أن الفريق يجتمع على هدف واحد، فإن لكل فرد منهم دوافعه وأهدافه الخاصة التي يسعى لتحقيقها وذلك بسبب الحاجة المُلحة لجمع المال، وهذا العمل أيضا من انجاز فريق من الشباب سواء من ناحية كتابة السيناريو الذي أبدع فيه الرباعي نبيل عسلي، نسيم حدوش، حكيم زلوم، محمد صغير بن داود، ومشاركة عدد كبير من الممثلين الشباب أمثال هدى حبيب، نسيم حدوش، نبيل عسلي، عادل شيخ، عديلة بن ديمراد وناصر سوداني.
الملاحظ أن العملين من توقيع مخرجين شباب، فكيف تقيمين تجربتك معهم، خاصة وان مشوارك الطويل سمح لك بالتعامل مع مخرجين كبار من الجيل القديم؟
للمرة الأولى منذ سنوات، أجدني أتعامل مع مخرجين شباب لديهم نفس طريقة المخرجين القدامى الذين سبق وان تعاملت معهم خاصة في بداياتي، فالمخرج وليد بوشباح يملك من الاحترافية ما يجعلني اتذكر الراحل مصطفى بديع في “دار سبيطار”، سواء من حيث النظرة الفنية او التعامل المحترف مما ساهم بشكل كبير في تسهيل التعامل بيننا رغم أننا ننتمي إلى جيلين مختلفين، وهذا ما يحسب له كمخرج متمكن استطاع الجمع بين الجيلين القديم والجديد وفق حبكة سلسلة تخدم المسلسل من دون الوقوع في الكليشيهات، كما كان حريصا على إعادة الجيل القديم إلى الشاشة بالصورة التي تليق به على غرار الممثلات نوال زعتر وسعاد سبكي إلى جانب الهاني محفوظ وارزقي سيواني.
أما المخرج الشاب يوسف محساس الذي أسندت إليه مهمة إخراج مسلسل “لفراق”، فيملك من الرصانة ما يجعله يتحكم في عمله بكل سهولة، في الوقت الذي يجمع فيه المسلسل اسماء هامة من الممثلين الذين عرفوا نجاحا كبيرا خاصة في السنوات الأخيرة أمثال خالد بن عيسى وهيفاء رحيم، فليس غريبا ان ينجح هذان المخرجان ويبديان هذا الأداء المميز سواء من الناحية الفنية والتقنية، لكونهم خريجي المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، وهذا يحسب إيجابا للفن الجزائري الذي اكتسب جيلا جديدا من المخرجين المتمكنين خاصة من الذين تابعوا تكوينا في المجال أمثال نجيب أولبصير، ادريس بن شرنين الذين تميزوا أيضا هذه السنة بأعمالهم ولا يمكننا إلا الافتخار بهم وتشجيعهم.
ما رأيك في محتوى الأعمال الدرامية المقترحة على المشاهد الجزائري في السنوات الأخيرة؟
لا يمكننا إنكار التقدم الملحوظ في مستوى الأعمال الدرامية الجزائرية خاصة في السنوات الأخيرة سواء من حيث الكم او النوع، على عكس العقود الماضية التي كانت فيها الأعمال مقتصرة على مسلسلين او ثلاثة في الدراما والكوميديا، أولا بسبب وجود قناة عارضة واحدة متمثلة في التلفزيون العمومي من جهة بالإضافة إلى محدودية الميزانية المخصصة للإنتاج التلفزيوني من جهة أخرى، لكن الحمد لله مع فتح مجال السمعي البصري، أصبح الإنتاج وفيرا مما خلق المنافسة بين المنتجين والمخرجين لتقديم أعمال في المستوى ونيل رضا المشاهد، كما توسعت فرص العمل بالنسبة للممثلين من مختلف الأجيال وتحدي انفسهم لتقديم أدوار جديدة ومختلفة بوجود خيار الأداء من سنة إلى أخرى وهذا ما يعتبر انجازا في حد ذاته، كما تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة سجلتها الأعمال الدرامية والكوميدية الجزائرية في السنوات الأخيرة وهي التخلص من التبعية والهروب إلى الفضائيات العربية خاصة خلال الشهر الفضيل وذلك ما وطد العلاقة أكثر بين الفنان وجمهوره بالرغم من الانتقادات التي تطال الأعمال الجزائرية كل سنة والتي أجدها في صالح الإنتاج بدليل أنها تفتح النقاش امام الرأي العام وتبرز مدى متابعة الجمهور الجزائري لأعمال بلاده وحرصه على تقديم الأفضل كل سنة، ناهيك عن التخلص من التبعية التقنية التي كانت في سنوات مضت حكرا على تقنيين أجانب في الأعمال الجزائرية، عكس ما لاحظناه مؤخرا في انتاجات بسواعد جزائرية مائة بالمائة نتجت عنها أعمال مميزة من شأنها منافسة الإنتاجات العربية فنيا وتقنيا من جهة وأعادت الجمهور الجزائري إلى الشاشة من جهة أخرى.
بعد خبرتك الطويلة في المجال، هل لمست تغيرا في ذوق المشاهد الجزائري؟
من الطبيعي ان يتغير ذوق المشاهد سواء الجزائري او العربي بتغير الظروف التي يعيش فيها، فمشاكل السبعينات لم تعد مشاكل الألفية الجديدة، وامكانات ذلك الزمن لا تقارن بالإمكانات المتاحة حاليا، وحتى نظرة المجتمع إلى الحياة تغيرت بتغير الأجيال التي أصبحت تواكب العصر بشكل متسارع وبالتالي فإن متطلباتها تزداد وتتغير بالموازاة مع عصرها، مما يدفع بالسيناريست والمخرج والممثل على حد سواء إلى تقديم أعمال تستجيب لمتطلبات المشاهد الحالي، وهذا لا يعني الدخول في فلسفة غامضة تجعل المشاهد ينفر من الشاشة بسبب المواضيع غير المنطقية والتي لا تمت إلى واقعه ومجتمعه بصلة، فهذا المشاهد يملك من الذكاء ما يجعله متطلبا للجديد في حدود القيم الإنسانية والاجتماعية المحيطة به والدليل على ذلك الجدل الذي طال الكثير من الأعمال التي قدمت مشاهد اعتبرها غير لائقة ودخيلة عليه فاحتج عبر مختلف الوسائل، لكن بالمقابل يمكننا تقديم اعمال وسيناريوهات تعكس واقعنا بشكل ملفت خاصة وان الجزائر بحجم قارة تملك من التاريخ والتقاليد والأحداث ما يجعل منها مصدرا ملهما لأعمال تلفزيونية وسينمائية ناجحة خاصة في ظل الأداء التقني العالي الذي أظهرته الساحة في السنوات الأخيرة.
انشغالك بالسينما والتلفزيون أبعدك عن المسرح، فما هو نوع العمل الذي قد يعيدك إلى الركح؟
فعلا، انشغالي في السنوات الأخيرة بالتلفزيون والسينما جعلني قليلة التفكير في المسرح، خاصة بعد وفاة المخرجة الراحلة صونيا التي قدمت معها آخر أعمالي المسرحية، لكنني لم ابتعد تماما عن المسرح، حيث شاركت في نوفمبر الماضي في تجربة ملحمية اقل ما يقال عنها مميزة بعنوان “روح الجزائر” للمبدع احمد رزاق بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، فقد كان العمل بمثابة فسيفساء جمعت بين المسرح، الموسيقى، الرقص، الغناء وبمشاركة ما يقارب 1000 فنان بالقاعة البيضاوية، ولأنني أقدس الخشبة فإنه من الصعب المجازفة بالمشاركة في عمل مسرحي من دون دراسته من كل الجوانب، إلا أنني اطمح للعودة إلى الركح مع المخرج احمد رزاق أو بأعمال مميزة وفي نفس مستوى مسرحية “بلا زعاف” التي ألفتها نجاة طيبوني وأخرجتها الراحلة صونيا، و”les mimosas d’Algérie” مع عبد الحميد قوري واعمال “قارسيا لوركا” التي تستهويني بشكل كبير.