-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رئاسياتٌ على أساس الشهادة.. خطوة في الاتجاه الصحيح 

رئاسياتٌ على أساس الشهادة.. خطوة في الاتجاه الصحيح 
ح.م

مقترح هيئة كريم يونس اشتراط شهادة جامعية في المترشح لرئاسة الجمهورية خطوة في الاتجاه الصحيح وليس فيه ما يثير الغرابة لأنه المقترح الطبيعي الذي كان أحرى أن يُتضمن –قبل هذا التاريخ- في القوانين الانتخابية، فمنصب القاضي الأول في البلاد ليس منصبا هينا، إنه يقتضي من المترشح له أن يملك من الشهادات والكفاءات والخبرات ما يمكِّنه من حسن إدارة شؤون الدولة والمجتمع.

إن القراءة الأولى لمقترح اشتراط شهادة جامعية في المترشح لرئاسة الجمهورية تساعدنا على بيان جملة من الأمور: أولها أن هذا المقترح يعدُّ انتقالا نوعيا من الشرعية التاريخية إلى الشرعية العلمية، فالاقتصار على الشرعية التاريخية -رغم أهميتها ورمزيتها التي لا تقبل الجدل- من دون شرعية علمية تعدّ في نظرنا ونظر كثير من المتابعين شرعية منقوصة تترتَّب عليها تبعاتٌ خطيرة وخاطئة في إدارة الحكم، وهناك أمثلة كثيرة عن هذا النوع من الحكم في العالم لا يتسع المقام لذكرها، ولكن في المقابل هناك نماذج رائعة لاجتماع الشرعية التاريخية والشرعية العلمية والذي أثمر حكما راشدا وحوكمة رائدة بكل المقاييس.

يمكن القول بكل موضوعية إن هيئة الحوار والوساطة -رغم اختلافنا معها في الإستراتيجية العامَّة- قد وضعت يدها على الجرح بهذا المقترح مُنهية بذلك الجدل العريض القديم الجديد حول إشكالية أولوية الثوري على العلمي ومستجيبة لمطالب كثير من الجمعيات والأحزاب التي طالما وجَّهت نقدا لاذعا للطبقة الحاكمة باستئثارها بالحكم وتحيُّزها إلى الفئة الثورية ضد الفئات الأخرى.

ليس من المقبول أن تستمر هيمنة الشرعية الثورية وخاصة في ضوء التطور الذي طرأ على الحياة السياسية بظهور جيل جديد لم يشهد المرحلة الثورية ولم يكن هذا اختيارا شخصيا بل قدرا مقدورا، ومن حقه بمقتضى عقد المواطنة أن تُعطى له فرصة لإدارة الحكم أو على الأقل المساهمة في إدارة هذا الحكم. وثاني هذه الأمور أن اشتراط شهادة جامعية في المترشح لرئاسة الجمهورية من شأنه أن يقلل من حجم تدخل طبقة المستشارين والمحيطين برئيس الجمهورية في رسم معالم السياسة العامة والسياسة الداخلية والخارجية، فوجود المستشارين أمر ضروري في دوائر الحكم حتى وإن اجتمعت للحاكم ملكات خارقة في إدارة الحكم ولكن ينبغي أن لا تتحول هذه الحالة الاستشارية إلى سلطة موازية أو إلى سلطة مضللة تدفع الحاكم إلى اتخاذ قرارات خاطئة تجلب له غضب المحكومين وتعجِّل بزوال حكمه واختفائه من المشهد السياسي غير مأسوف عليه. وثالث هذه الأمور أن يكون منصب الرئاسة وما يوضع من شروط بشأن الترشح له بداية لتدارك النقائص المسجلة على مستوى الترسانة القانونية التي وجد من خلالها بعض الذين لا حظ لهم من علم وفهم فرصة ذهبية لتصدُّر المشهد السياسي أو الظفر بمنصب حكومي أو مقعد نيابي مع أنه ليس في جعبته وكنانته ما يقدِّمه في مجال التسيير والتشريع.

لستُ من المولعين بانتقاد الحكومة وانتقاد المجالس النيابية، المحلية والوطنية، ولكنني أضم صوتي إلى صوت القائلين بأن التساهل سابقا في شروط الترشح لهذه المجالس والاكتفاء ببعض الشروط الشكلية التي لا تسمن ولا تغني من جوع قد أسهم في تكريس الرداءة في تسيير مؤسسات الدولة، وهو ما تسعى السلطة الجديدة لتفاديه من خلال المقترح الذي تقدمت به هيئة الحوار والوساطة والذي يؤشر -ولو بقدر محدود- إلى مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي سيكون لها ما بعدها إن أحسنّا توظيفها وتكييفها مع التوجّه الجديد للدولة الجزائرية.

إن مقترح اشتراط شهادة جامعية في المترشح لمنصب رئيس الجمهورية من شأنه أن يدفعنا إلى مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بالترشح للمناصب الدنيا، فينبغي بموجبها أن يحال بين الأمي وبين مجلس الأمة، وأن يعاد الاعتبار لأهل العرفان وتزال العوائق أمامهم لدخول البرلمان، فبهذه الطريقة يمكن وضع حد لعملية التنكيت السياسي والاجتماعي التي طالت بعض البرلمانيين لأنهم لا يملكون من الشهادة والكفاءة ما يبرر وجودهم في هذين المجلسين فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له وفاقد الشيء لا يعطيه. ليس من المقبول قانونا وعرفا وأخلاقا أن نشدد في شروط الترشح لإدارة شركة من الشركات ونتساهل إلى حد كبير في شروط الترشح لإدارة الدولة، وأعتقد أن هذه فرصتنا -أفرادا وجماعات وجمعيات وهيئات- من أجل أن نبرهن للعالم بأننا أمة جديرة بالبقاء وجديرة بالثناء، وهذا لا يتأتى إلا بتغيير ذهنياتنا السياسية فنولي خيَّارَنا وأعلمَنا وأكفأنا لأن العصر الذي نعيشه هو عصر التميُّز لا عصر التحيز، وعصر الكفاءة لا عصر “الشكارة”، هذه الأخيرة التي تحملنا شيئا من تبعاتها رغم أننا لم نكن طرفا فيها.

ورابع هذه الأمور أن اشتراط شهادة جامعية في المترشح لرئاسة الجمهورية ينبغي ألا يقف عند هذا الحد، بل يجب أن تقترن الشهادة بالكفاءة، فكم من حاصلين على شهادات جامعية عليا قد احتلوا مواقع حساسة فكانوا نقمة على مجتمعهم لأنهم امتلكوا الشهادة ولم يمتلكوا الكفاءة، والخلل في ذلك يكمن في عدم مراعاة معايير إسناد المسؤولية، ولا بأس هنا أن أسوق ما قاله يوسف الصديق عليه السلام “قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم”، فالحفظ والعلم شرطان ضروريان لتولي المسؤولية ومن دونهما يتحوَّل الحاكم إلى مجرد رقم في المعادلة العددية ويكون وجوده في هرم السلطة كعدمه، ويكون ضرره أكبر من نفعه. إننا نفتقد إلى كفاءات تُحسن التدبير والتسيير، لا تكتفي بالشهادة العالية ولكنها تضيف إليها الكفاءة العالية أيضا.

وخامس هذه الأمور أن مقترح اشتراط شهادة جامعية في المترشح لمنصب رئيس الجمهورية هو استجابة لمطالب الحَراك الشعبي بوضع حد لعملية تدوير المناصب والمسؤوليات التي كان من حصادها النكد إقصاءٌ متعمد أو غير متعمد لشرائح كبيرة من المجتمع وفي مقدمتها الكفاءات العلمية التي وجدت نفسها مهمّشة فاضطرت إلى الهجرة ولسان حالها “مكره أخاك لا بطل”. في السودان، حرصت القيادة الجديدة على استقطاب الكفاءات العلمية، فنصبت “عبد الله حمدوك”على رأس الحكومة الانتقالية، و”عبد الله حمدوك” هو الأمين العام السابق للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، وهو قبل هذا خبيرٌ اقتصادي وخبير في مجال إصلاح القطاع العام والحوكمة والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد وإدارة الأنظمة الديمقراطية، فكان بهذه المواصفات أجدر بالمنصب وأقدر على إدارة المرحلة الانتقالية. ونحن في الجزائر لسنا عاجزين –شعبا وسلطة ومعارضة- على إحداث التغيير النوعي في إدارة الحكم وفي الحوكمة بشرط أن نمتلك الشجاعة والإرادة السياسية لفسح المجال أمام الكفاءات العلمية الوطنية لتسيير المرحلة القادمة، يشجِّعنا على ذلك التوجُّه الجديد لرسم معالم الجزائر الجديدة، وحتى يتحقق هذا، نصيحتي للحَراكيين والسياسيين أن يتعاملوا مع هذا التوجُّه بقرينة البراءة وأن يساهموا في بناء الجزائر الجديدة التي من مؤشِّراتها وإرهاصاتها التعديلات المزمع إدخالها على القانون الانتخابي، وكذا إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، فالأمور تُؤخذ بالتدرج وليس دفعة واحدة، هذا ما تقرره قوانين الطبيعة والسياسة والاجتماع.

وسادس هذه الأمور أن مقترح اشتراط الشهادة الجامعية في المترشح لمنصب رئيس الجمهورية سيكون بداية لوضع معايير جديدة لتولي المسؤولية في المؤسسات التربوية والجامعية والثقافية التي كانت ولا تزال مطلبا ملحّا للنقابات ومنها نقابة أساتذة التعليم العالي”كناس” التي لا تزال تلحّ على مطلبها بضرورة دمقرطة الجامعة بالتخلي عن طريقة التعيين الفوقي واعتماد طريقة الانتخاب الحر الذي يمكن من إسناد إدارة المؤسسات الجامعية إلى الأكفأ والأجدر الذي يمتلك مخططا حقيقيا لتطوير الجامعة وإلحاقها بمصف الجامعات العالمية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • moha

    غير في الجزائر والعالم الثالث الناس مضروبين على الشهدات الجامعية. عديد من الشخصيات التي غيرت العالم لم يكن لها شهدات جامعية مثل: Zuckerberg (facebook), Bill Gate (microsof), Larry Page (Google) Ted Turner(CNN), Steves Jobs (Apple) .... الشهادة الجامعية والراس حابس والاخلاق فاسدة علاه. على ذلك الله صبحانه وتعالى غير الانسانية بانبياء اميين. وامثلة كثيرة حتى من ثورتنا التحريرية. كيما قال المثل القديم تاعنا "اعطيني واحد فاهم خير من واحد قاري"

  • Dinoone dino

    Ya khoya , tu parles pour ne rien dire. Allez au fond des problemes. Des representants vraiment choisi par le peuple. Des methodes de controle mis en en paralleles avec les systemes

  • مهاجرة غيورة

    صاحب اقتراح الشهادة الجامعية لكي تصبح رئيسا اضنه مغفل جدا. يطلب هذا الطلب في وقت أصبحت فيه الشهادة الجامعية مجرد ورقة فقط و الكل يعرف ما ذا اقصد. أضنه لو قال ان يكون صاحب سوابق ممتازة متقلدا مناصب تشهد على كفاءته لكان أفضل ومبعد نشوفو الشهادة.

  • صنهاجي قويدر

    إنما الامم الاخلاق ما بقيت ,,, فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا ، المسالة مسالة اخلاق و الثورة نجحت بالاخلاق يوم لم تكن هناك جامعة واحدة للجزائريين والعشرية الحمراء سببها غياب الاخلاق والنهب و الفساد برمته سببه غياب الاخلاق ويجري هذا الخراب يوم تراكمت شهادات الدكتوراه على رؤوس العباد من الشريعة الإسلامية إلى الفنون الجميلة وصدق القائل : ( أعطيه لي فاهم الله لا قرا )

  • عادل

    الى المعلق المسمى moumou العصابة راهي في الحبس.

  • moumou

    سوف تقوم العصابة بإعطاء الشهادات الفخرية لمترشحيها أو بتزوير الشهادات (الجامعة نتاعهم // يزورون ما يشاؤون)
    لك الله يا جزائر

  • omar

    الشهادة الجامعية لاتكفي ليكون صاحبها رئيسا للجمهورية بل ينبغي تنظيم مسابقة للمترشحين لاختبار مستواهم الحقيقي ومدى معرفتهم بمشاكل البلاد وماهي الحلول والمقترحات للخروج منها من وجهة نظرهم ...قد يقول قائل ان هذا نعرفه من خلال برامجهم فأقول هذا لايكفي فقد يقومون بنسخ مضامين برامجهم من اي مصدر او يؤجرون من يخطها لهم ..كما اتمنى ان ارى المترشحين يقفون جنبا الى جنب ويجيبون على الاسئلة الشفوية التي تطرح عليهم امام الكمرات على طريقة مايحصل في تونس