-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رئاسيات 4 جويلية وشبح الفراغ الدّستوري

أبو جرة سلطاني
  • 992
  • 0
رئاسيات 4 جويلية وشبح الفراغ الدّستوري
ح.م

بقي من العمر الدّستوري للسّلطة الانتقالية أقلُّ من 50 يوما، وهي عازمة على تنظيم الانتخابات الرّئاسيّة في آجالها المقرّرة، يوم الرّابع من يوليو المقبل، ويمثّل ذلك أوْلى أولويات رئيس الدّولة. وقد أكّدت جهاتٌ مقرّبة منه أنّ إجراءها في آجالها هو خطوة أولى نحو جمهوريّة جديدة، إذا تحرّكت آليّة الحوار مع الطّبقة السياسيّة والشّخصيات الوطنيّة، فالمجلس الدّستوري مازال يستقبل ملفّات الترشّح تحسّبا لما يجب أن يكون، حتّى لا تقع الدّولة في فراغ دستوري بعد التّاسع من يوليو؛ بنهاية التّسعين يوما المقرّرة في المادة 102 من الدستور السّاري به العمل.

ما العمل؟ أو بمعنى أدقّ: ما هو أفضل مخرج؟

مازال أمام صنّاع القرار بضعة أيام ليتّخذوا خطوة جريئة نحو الفصْل في الخيارات التي تحتاج إلى جرأة تاريخيّة تردّ للدّولة هيبتها، وتجسِّد الإرادة الشّعبيّة، وتضع شعار “خاوة.. خاوة” على المحكّ التّجريبي بين الحراك والجيش.

وفي تقديري فإنّ الخطوة المرتقبة لن تخرج عن واحد من ثلاثة خيارات مفصليّة:

1ـ إما ترسيم الحلّ الدّستوري بإقرار يوم 04 يوليو تاريخا لإجراء الانتخابات، استنادا للمادة 102 منه، دون أيّ اعتبارٍ آخر. وهو خيارٌ له كلفته السياسيّة، في الحملة، ويوم الاقتراع، وبعد إعلان النتائج.

2 ـ أو تكييف الحلّ الدّستوري، بتأجيل الانتخابات ثلاثة أشهر أخرى (الثلث الأوّل من أكتوبر) يتولّى خلالها رئيس مجلس دستوري متوافق عليه إدارة الدّولة بالنيابة. وهو خيارٌ قد يلقى تجاوبا بين مطالب الحراك ورغبة المؤسّسة العسكريّة في عدم الذّهاب إلى مرحلة انتقاليّة.

3ـ أو المؤامة بين الدّستوري والسّياسي؛ بفتح حوار مع جميع مكوّنات المجتمع يكون من مخرجاته وضع “أرضيّة وفاق وطني” تحدّد كيفيّة “إجراء انتخابات رئاسيّة في أقرب الآجال”. وهي الصّيغة التي استخدمها قائدُ الأركان في آخر خطابٍ له.

لا يوجد حلّ رابع سوى تفعيل المادّة 107 من الدّستور، وهو السّيناريو الأسوأ، الذي لا يرغب فيه أيّ جزائري، لأنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي والأمني.. لا يحتمل مزيدا من الضّغط على نفسيّة شعبٍ يريد أن يرى رئيسا منتخَبا بإرادته، تفرزه صناديق شفّافة، تعطيه سندا جماهيريّا يستكمل به مسار الحراك الذي يريد جزائر جديدة: لا مكان فيها للفساد والمفسدين، ولا عودة بعدها للقوى غير الدّستوريّة، وإحداث قطيعة مع الماضي الغامض، وبناء مستقبل لأبناء باديس لا مكان فيه لأبناء باريس..

مع أنّ الزّمن ضاغط، فإنّي أرى أنّ الفرصة سانحة، والأجواء مهيّأة، والأضواء مازالت خضراء أمام حلّ توافقي: يلعب فيه الشّعب دور الضّاغط على رموز الدّولة العميقة، وتلعب فيه النّخب دور قوّة الاقتراح، بإنتاج أفضل الحلول والبحث عن أكثر المخارج تأمينًا للمستقبل. أما المؤسّسة العسكريّة فمستمرّة في القيام بواجباتها الوطنيّة التي تعرفها جيّدا، وعازمة على استكمال أهمّ فصل من فصول تفكيك “العلبة السّوداء” للنّظام الذي استخدم أساليب غير دستوريّة وغير قانونيّة لاستخلاف نفسه، وارتكب خطيئة الاستنجاد بأعداء الأمس ليعبثوا بعقول الشّعب، ويوهموا الرّأي العام بأنّ الخطر سيكون ماحقا إذا غادروا همْ سدّة الحُكم وتركوا وراءهم فراغا لا يستطيع غيرُهم سدَّه.

صحيح؛ العالم اليوم يتغيّر بسرعة مذهلة، وهو منقسمٌ إلى معسكريْن اقتصادييْن يتنازعان الهيمنة على مقدّرات الشّعوب. والجزائر في قلب هذه المعركة، بسبب مواقفها من روسيا وإيران وسوريا وفلسطين (رفض التّطبيع)، ورفض ما يُسمّى “صفقة القرن”.. في الأفق المنظور تلوح ملامح خطّة ماكرة تستهدف دفع الجزائر من نعمة الحراك إلى نقمة الأزمة، بمحاولة إخراجها من الحلول الدّستوريّة إلى حالة “اللاّدستور” ليسهل على الحراك المضاد ـ في الداخل والخارج ـ تغيير نظام انتهت صلاحيّة استمراره بنظام جديد في ظاهره، ولكنّ “قرْصَهُ الصّلب” واحد.

والانتخابات الرّئاسيّة هي أفضل محطّة لاستبدال وضع قديم بوضع جديد، بالرّهان على “الدّياسبورا” لدفع الحراك إلى مزيدٍ من التّصعيد، عبر تكثيف الإشاعة والدّعاية، للتّشكيك في كلّ شيء وتشويه كل وجْه، وتسويد ماضي جميع الشّخصيّات الوطنيّة، والمناداة برحيل الجميع.. وسوف يلعب المال السّياسي دور المحرِّك لوسائل التّواصل الاجتماعي، لإسقاط المصداقيّة عن كلّ أمل قائم.. فلا يجرؤ أحدٌ على التقدّم لخوض غمار رئاسيّات يجد فيها نفسه دريئة للقصف المركّز. ويومها نجد أنفسنا في مأزق يسمّى الفراغ الدّستوري.

الحلّ للمرّة الألف: يكمن في الحوار والتّوافق

لا يمكن إجراء انتخابات قبل أن نتحاور، ولا يمكن تأجيلها قبل أن نتحاور، ولا يمكن استبدال وجه مرفوض بوجه مفروض إلاّ بالحوار.. ففي كل الحالات نحتاج إلى جلسات وطنيّة بورقتيْ عمل متناقضتيْن (ورقة النظام وورقة الحراك)؛ والحوار كفيلٌ بأنْ يذلّل العقبات، فيفهم بعضُنا بعضَنا الآخر، ويتمّ التّوافق على خريطة طريق واحدة، تختفي بموجبها بعض الوجوه وتبرز وجوهٌ أخرى، يقع على عاتقها تنظيم انتخابات رئاسيّة كأولويّةٍ عاجلة في أقرب الآجال، وبعدها يمكن للرّئيس المنتخَب أن يباشر مسار تغيير جذريّ يكون من أهدافه الكبرى:

ـ تغيير الدّستور للتّخلّص من تقنيّة التّفصيل على المقاس.

ـ تجفيف منابع الفساد، وردّ المياه إلى مجاريها (استرجاع المنهوبات).

ـ تشبيب جسم الدّولة، بضخّ دمٍ جديد في جميع هياكلها ومؤسّساتها، من البلدية إلى الرئاسة.

ـ إشاعة العدل والحريّة وكرامة المواطن.. على أسُس المواطنة الحقيقيّة.

من عجائب ما يجري في الجزائر اليوم أن “أرضيّة الوفاق الوطني” الموقّعة في سبتمبر 1996 مازالت صالحة، كمشروع سياسي نستأنس به للخروج من حالة التخبّط الذي برع فيه الجميع في وصف المشكلة، ولكنْ لا أحد قدّم حلاّ متكاملا سوى ما دعت إليه المؤسّسة العسكريّة بتفعيل المادة 102 من الدّستور، وحرصها على تنظيم انتخابات في أقرب الآجال، تاركة الكرة في مرمى رئيس الدّولة والطّبقة السياسيّة والنّخب ليحاوروا الحراك، الذي مازال بلا رأس ولا لسان ولا تمثيل.

للتّذكير، فإن أرضيّة الوفاق الوطني المشار إليها هنا كانت ثمرة حوار ومشاورات بين الرّئيس اليمين زروال والطبقة السياسيّة والمجتمع المدني دامت يومين كامليْن، تمّ خلالهما التّوافق على عناصر الأرضية المقترحة، وعلى المكوِّنات الأساسيّة للهويّة الوطنيّة، وعلى المبادئ والأطر التي تعمل فيها الدّولة في إطار تعدّدي ديمقراطي، وعلى المواعيد الانتخابيّة (ملحق بالوثيقة الأساسيّة)، ووقّع على هذه الوثيقة 63 ممثّلا للأحزاب والجمعيّات والمجتمع المدني. لكنّه لم يُكتب لها التنفيذ الكامل على الأرض، بسبب الاستقالة المفاجئة لرئيس الجمهوريّة، بعد ثلاث سنوات من توقيع هذه الوثيقة التاريخية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!