-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحلة فرنسية في “إيالة الجزائر”

رحلة فرنسية في “إيالة الجزائر”
ح.م

رحلة استكشافية يقطعها سائحان عبقريان في كبريات المدن الجزائرية خلال السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي، يتوِّجانها بإنجاز خمسين لوحة طُبعت على الحجر رسماها في أماكن تنقلاتهما، وهما يصفان ما تقع عليه عيناهما اللاقطتان لحقيقة الأشياء وصفا دقيقا يضع الخصائص التاريخية حقائق ماثلة يعجز عن طمسها المؤرخون المحرِّرون للوقائع طبقا لأهواء الاستعمار الفرنسي.

جمع السائحان الفرنسيان “أ. ليسور” و” و. ويلد” رحلتهما المصوَّرة بأشكالها التقليدية عام 1835 في كتاب أطلقا عليه اسم “رحلة طريفة في إيالة الجزائر” ليبقى وثيقة تسجيلية تتكامل بعنصري النص والصورة تجسد حقبة من تاريخ الجزائر سعى الغازي الفرنسي إلى إخفائها، بما تضمنته من خصائص تقليدية تجسد جوهر هويتها المتوارثة.

وقدّم الرسامان المستشرقان كتابا يدحض زيف المؤرخين المغرضين المحمولين على ظهر آليات الاحتلال الفرنسي، وهما يصفان أهم مدن الجزائر وصفا دقيقا يكشف عن خصوصياتها البيئية قبل أن تمتد لها يد الغازي الفرنسي وتغيِّر معالم بناياتها التقليدية المتكافئة مع طبيعة مجتمع له عاداته وتقاليده وأصوله المتجذِّرة في عمق التاريخ.

وجاء كتاب “إيالة الجزائر” مثقلا بخمسين نصا شارحا لخمسين صورة مطبوعة في أصلها على الحجر، رسمها المؤلفان في أماكنها الطبيعية أثناء رحلتهما السياحية ليجعلا منها حقيقة موثقة، تطبع خصائص المدن الجزائرية قبل أن يغير الغازي المحتل ملامحها ويطبعها بطابع أوروبي دخيل.

وهذا الكتاب الذي يعد وثيقة نفيسة، تكشف عن خصائص مدن لها حاضر وإرث ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ضمت في ثناياها حضارة عريقة، لم يبق له وجود في رفوف الذاكرة الجزائرية، وتلاشت نسخه الأصلية بتقادم الزمن، لكن اكتشاف نسخة يتيمة من الكتاب ورثها قارئ وفيّ دفعت الباحث “محمد جيجلي” إلى إعادة الحياة له في ذاكرة معاصرة باللغتين العربية والفرنسية، وإعادة طبعه بتقنيات حديثة في دار الأمة ضمن إصدارات “الجزائر عاصمة الثقافة العربية” سنة 2007 ليجعله جامعا لآثار مدن البلاد القديمة.

وافتتح الرسامان كتابهما بمنظر عام لمدينة الجزائر مأخوذ من الميناء، وصفا فيه العاصمة بأنها أشبه بمحجرة من محاجر الرخام الأبيض ترتفع كتلتها في شكل مدرج على شاطئ البحر، ويبدو منظرها معتما من بعيد، ولكن كلما يقترب الإنسان منها تأخذ ذلك الطابع البسيط الطريف الذي يسر الناظر ويذكره بما تجود به قريحة الكتّاب العرب من أوصاف تكتنفها الأسرار .

ورأى المبدعان الفرنسيان، برؤيا فنان يجسد حقيقة المشهد القائم، أن مدينة الجزائر الكبرى تكتسي مظهرا أكثر روعة حين ينظر إليها بانحراف في طرف بساط من الخضرة مزروع بالصبار والصبر ذي اللون الرمادي المشوب بالأخضر وأشجار التين الملتفة وهي تغرس المدينة ذات البياض الناصع جدرانها في ضفة جنوب البحر الأبيض المتوسط.

ويقفان عند “باب الوادي” ليكتشفا ثلاثة انهج كبيرة؛ نهج البحرية الذي يؤدي إلى حاجز الأمواج، ونهج باب الواد الذي يتصل بالساحة الكبيرة بنهج البحرية ، ونهج باب عزون وفي هذه الأنهج الثلاثة أقام المحتلون متاجرهم وشيّدوا ديارهم على نمط أوروبي قضى على معالم البيئة التقليدية.

ويصفان مدينة بجاية بأنها تبدو في شكل قرية كبيرة ذات ديار واطئة تكاد تكون متساوية العلو، فهي مدينة مبنية على منحدر جبل يكاد ينزل عموديا إلى البحر، وينجزان منظرا لمدينة وهران التقطاه من باب تلمسان ليبدو “بانورامياً”… ويشخِّصان في رسمهما بناءات رومانية في أعمدة مسجد شيد في عنابة التي بنيت على أنقاض المدينة النوميدية “هيبون”.. ويتجه الرسامان جنوب وهران الشرقي ليرصدا مدينة معسكر التي تقع وسط سهل جميل تعمره بعض القرى بسكانها الذين لم يتجاوزوا آنذاك أربعة آلاف نسمة، وكانت عاصمة الأمير عبد القادر في ثورته ضد الاحتلال الفرنسي .

“أ.ليسور” و”و.يلد” اللذان انطلقا في رحلتهما في “أيالة الجزائر” قبل استخدام التصوير الشمسي لجآ إلى رسم المناظر التي أثارت إعجابهما قبل الشروع في نسخها على حجر كلسي ليّن محبب تحبيبا دقيقا .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • HOCINE HECHAICHI

    مقال مفيد وممتع