-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحيل ستة أدباء ترك جراحاً في قلب المرحوم الطاهر وطار

رحيل ستة أدباء ترك جراحاً في قلب المرحوم الطاهر وطار
ح.م

تعثّرت الكلمات يا سي الطاهر، وحلّت بدلَها الحسرات والشعور بعدم التصديق، أنك لن تعود إلى جحرك الثقافي، كما كنت تسمّي مقر الجاحظية، لتغمرنا حُبّا وصفاء من قلبك الذي ما عرف غير الحبّ والصفاء للجميع، ومع الجميع.

ما أروع أن يكون الوطن أديبا، وما أروع أن يكون الأديب وطنا حانيا ملبّياً، يسبح في عوالمه وتلاحق شمسَهُ وتلاحقك، وحين تقسو بحرّها، تستظلّ بفيء فكرِهِ وتتبرّد بماء إبداعه الخالد، حتى تطفئَ ظمأ عروقك التي هي عروقه، إنها الإنسانية المعبّأة بالنضج والكمال، أو هي، كما عبرت عنه بلاغة العرب السهل الممتنع.

في بلادنا، وبلاد العرب عموما، بين الأديب وبين الحاكم مسافة شاسعة، وهوّة من الصعب جدا ردمُها.

الأدباء الستة الذين تركوا جراحا في قلب المرحوم الطاهر وطار ليسوا من النوع الذي اعتاد أن يتملق الحاكم، وأن يحرق له البخور، أو يكيل له المديح، حتى لو لم يأبه به، ويصنّفه صفراً على اليسار وينظر إليه نظرته إلى أي مرتزق، مثل الكثير من المرتزقة التي تعج بها بلدان عربية عديدة في زماننا، مقابل بضعة دولارات.

هذا النوع من الأدباء الذي ترك جراحا في قلب المرحوم الطاهر وطار، يعرف أنه ليس مطلوبا من الأديب أن يبحث عمّا يُرضي الحاكم؛ بل مطلوب منه أن يبحث عن شيء أكثر أهمية. أن يبحث عن الظواهر والتحديات التي تثير العقل.

مهمة الأديب عند هذا النوع أن يستكشف، أن يرتاد المناطق المجهولة، الغابات التي لم يعرفها أحد. الأدباء الذين نحن بصدد الحديث عنهم، كانوا لصيقي الواقع، كانوا يأخذون هذا الواقع، ثم يتصرّفون ويعيدون الصياغة، ويرون أن الأديب إذْ يصوّر الحياة، فإنه ينبغي أن يحس بالشيء ثم يصوره في شكل من أشكال التعبير الأدبية، كما أنهم كانوا حريصين على الجانب الفنّي في الكتابة، كما كانوا أكثر حرصا على اختيار الموضوع. لقد نقلوا صوراً عن الحياة في قصصهم ورواياتهم وقصائدهم ومقالاتهم، صوروا الشوارع والبيوت والأزقة والأسواق وناس القرى والمدن.

هؤلاء الأدباء الستة تركوا جراحا في قلب كاتب كبير اسمه الطاهر وطار الذي عرفناه في الجاحظية رجلاً يُسيّر جمعية ثقافية اسمها الجاحظية، رجلا يفعل ثم يعلن، الفعل قبل القول، عرفناه مسيّرا متميزا، عاشق الوطن حدّ الشهادة، وشهامة حدّ الاستبسال، عرفناهُ المسيّر الذي تتجمع تحت خيمة هدبه كل هموم الثقافة، إلى حدّ لا يغمض جفناً من شدة يقظته، وألاّ تستقرّ حُجيرة في دماغه من شدّة ووهج التفكير.

وحين تومض عيناه بألق الكبرياء حتى الدمع، يكون كبيرا وشامخا، وهو يتأمل في جُحره الثقافي. مثل هذا الكاتب الكبير هو خلاصة شهامات الرجال وخلاصة أبطال التاريخ. وإن أنسَ، لا أنس ما قاله في مقدمته لديواني الثالث: “هذا الإنسان الطيب المرهف الحس الذي يندر أن تراه غاضبا أو عابسا، هذا المندهش من كل ما يراه ويسمع، حتى وإن قاله هو نفسه أو فعله شخصيا، يسألك إذا رويت له حكاية، كانت قد رواها لك، “والله صح؟” أقول في نفسي كل ما رأيته: هاهو الشعر يمشي على قدميه”.

ومن أعماق قلوب أعضاء الجاحظية وأصدقائها، نقول، كلَّ عام وأنت بخير يا جاحظيتنا، حيث يشارك أعضاؤها وأصدقاؤها بإطفاء شمعة جديدة تؤرّخ لميلادها المبارك، وكل عام نبتهل إلى الله أن يحفظها ويرحم مؤسسها، وكل الذين التحقوا بالرفيق الأعلى بعده، وأن يسدّد خطاها ويوفّقها لخدمة الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية.

لقد تجمعت في شخص هذا الجريح شروط قيادة جمعية ثقافية في حجم الجاحظية التي استطاعت في ظل أحلك الظروف (العشرية الحمراء) أن تفتح نوافذ الضياء والأمل والثقة بمستقبل الثقافة في بلادنا، فهي اليوم في عقل كل مثقف وضميره.

وأوّل الراحلين الذين تركوا جراحا في قلب المرحوم الطاهر وطار، يوسف سبتي الأمين العام أحد الأعضاء المؤسسين للجاحظية وصاحب “الجحيم والجنون” (شعر بالفرنسية) الذي ولد بالميلية، واغتيل يوم 27/12/93 بمعهد الفلاحة بالحراش، على يد لئيمة لا نعرف عنها شيئا حتى الآن. وقد رثيته بقصيدة قلت في مطلعها:
لقد كنتُ أهفو إلى درسِهِ
فقد صرتُ أبكي على رمسِهِ
الديوان السابع “قامة الضوء” ص (43)

وثاني الراحلين الذي ترك فراغا كبيرا في الجاحظية هو الدكتور عمار بلحسن صاحب “حرائق البحر” رئيس تحرير مجلة “التبيين” وقبل وفاته بقليل، كان يضع مخططات للأعداد القادمة من “التبيين” التي كان يشرف عليها، وهو يكابد ألم الداء الخبيث، وتوفي رحمه الله، يوم 29/08/93.

وثالث الراحلين هو بختي بن عودة، المنحدر من معسكر وصاحب “رنين الحداثة” نُشر الكتاب بعد وفاته، كان رئيس تحرير مجلة “التبيين” بعد وفاة د. عمار بلحسن. واغتيل يوم 22/05/95.

رابع الراحلين الشاعر والإمام عبد القادر شيبي والذي ينحدر من أولف بأقصى الجنوب الجزائري، له كتاب طبع بالجاحظية لا أتذكر عنوانه في هذه اللحظة. مات بسبب انفجار قنبلة بسوق الأربعاء الأسبوعية، رحمه الله.

خامس الراحلين أحمد ساحي الأستاذ الجامعي وأحد الفاعلين البارزين في نشاطات الجاحظية. ينحدر من عزازقة، وهناك توفي، رحمه الله، ورثيته بقصيدة قلت في مطلعها:
يا رفيق المكرمات
قد أجيب اليوم سائلْ
ديوان “قامة الضوء” ص (55)

وسادس الراحلين وعضو مجلس الجمعية الوطني، الرواي والقاص الهاشمي سعيداني، صاحب “أوديسة العمل الثقافي” الذي ظل يرابض في باتنة، كما قال المرحوم الطاهر وطار في مقدمة العدد 25/2006 من مجلة “التبيين” بقدر ما عانى من المجابهة الاجتماعية عانى من القيود والمؤامرات البيروقراطية.

ويتميز الراحلون الستة كما قال سي الطاهر رحمه الله، في العدد المذكور “بإرادة تحدي الظروف القاهرة في المحيط الذي نشأوا وترعرعوا فيه… ومكّنتهم ليس من تحصيل المعرفة، فحسب، إنما من استيعابها بدقة وعمق أيضا بالبذل والعطاء… كما أسهموا كلهم بقدر وافر من مهمات الجاحظية” وأؤكد أن هؤلاء الراحلين لم يكونوا محبوبين عند أعضاء الجمعية فحسب بل كانوا محبوبين كذلك عند أحباب الجمعية، لاتساع ثقافتهم ووعيهم وتمتعهم ببعد الأفق وحسن التصرف رحمهم الله جميعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • دونا

    رحم االله كل الادباء الجزائريين امثال الطاهر وطار ومالك حاد ومحمد الذيب -الحريق -الذين رفعوا اسم الجزائر عاليا متالقا بالعالم اجمع ومنهم كاتب ياسين صاحب رواية نجمة التي ترجمت لكل لغات العالم
    هؤلاء عبروا بصصدق ووفاء واخلاص عن الواقع الجزائري واحاسيس الشعب بدون ان يدمروا بلدهم ويخربوا اوطانهم ويقتلوا شعبا -الجماعات السلفية الوهابية التي تتبع الفيس المنحل تركت البلاد خراببا ابان العشرية السوداء باسم الدين وقتلت 220000 جزائري بريئ بدعم من المملكة العربية السعودية الوهابية -
    ادبائنا الجزائرون لم يدمروا بلدا عظيما كسوريا والعراق واليمن وليبيا باسم الدين -داعش السلفي الوهابية والنصرة -