-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

ردَّ الأمر كلّه لله واختفى

أبو جرة سلطاني
  • 780
  • 0
ردَّ الأمر كلّه لله واختفى

اختفى ذو القرنيْن فجأة كما ظهر فجأة، ليكشف عن نهاية الأخيار والأشرار ويرشدنا إلى ضوابط المصلحة وسيّاسة النّاس بوسطيّة مبصرة وخيريّة ما مكّن الله فيه لكلّ إنسان من مواهب وقدرات وأسباب وتيسير..

بصرْف النّظر عن دينه ومعتقده وجنسه ولغته ولونه، وليعلن لنا جميعا أنّ كلّ شيء في هذه الدّنيا ظرفيّ مؤقّت محكوم بحركة الزّمان وبتعيين المكان، وأنّ خوض النّاس في دنياهم طارئ على حركة الحياة نفسها، وأنّ كلّ هذه المدن التي بنيناها وهذه الحضارات التي شيّدناها وهذه الطّرقات المرصوفة التي عبّدناها والسّكك الممدودة التي مددناها والحواضر المشهودة والصّواريخ المنصوبة والسّدود المعدودة.. كلّها مآلها إلى النّسف والدكّ والتّسويّة بالأرض لتصبح قاعا صفصفا لا يُرَى على وجهها عوجٌ ولا نتوءٌ: ((فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)) (الكهف: 98).

فوعد الله حقّ غير مظنون. وحكمه صدق لا يتأخّر ولا يتقدّم؛ فمُوجوا أنتم في دنياكم بعضكم في بعض، وخوضوا في أموالكم ما امتدّت أعماركم فيها، فإذا صدر الأمر العلويّ بالنّفخ في الصّور جمع الله أوّلكم وآخركم وإنسَكم وجنّكم وذا القرنيْن والقومَ الذين لا يكادون يفقهون.. فلا يأجوج ومأجوج ولا شعوب ولا قبائل إلاّ هم محشورون على أرض حساب واحدة: ((حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)) (الأنبيّاء: 96)، كلّهم جميعا يُحشرون بين يديْ مالك يوم الدّين ليعرض على خلقه صادقَ وعده: ((وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا)) (الكهف: 100).

فالمؤمنون موقنون بها؛ حسبُهم منها المرور على صراطها خفافا يسعى نورهم بين أيديهم وبأيْمانهم: ((وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)) (مريم:71)، أمّا المكذّبون بيوم الحساب والمرتابون في حقيقة جهنّم فستبرز لهم حتّى تراها أعينهم ليوقنوا بما كانوا به يكذبون.

هي عرْضة سريعة لجهنّم على الكافرين، ولكنّها كافيّة لينسوا كلّ نعيم الدّنيا وييأسوا من كلّ أمل في النّجاة، فقد كانوا عن السّمع محجوزين وكانت أعينهم مصروفة عن التّأمّل في ملكوت السّموات والأرض، وكانت آذانهم صمّاء عن سماع الحقّ ناهيك عن الإيمان بالغيب، فاليوم ترى أعينهم ما لم تصدّق عقوله رؤيته بنصوص الوحي الكريم. وتسمع آذانهم ما حال الوقرُ بينها وبين سماعه من أخبار السّعير.

اليوم تُرفع الحواجز بين الإنسان والغيب فيكشف الله عن الأبصار غطاءها فتبصر ما كان متعذّرا عليها في دنياها: ((الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)) (الكهف: 101)، كانت أعين الكافرين مغطّاة بران الدّنيا عن إبصار الحقّ، فكانت لاهم أعين ولكنهم كانوا لا يبصرون بها. وكان سمعهم مصروفا عن الوحي بكبْر في قلوبهم، وبإرادتهم كانوا لا يسمعون، وكانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم كلّما عُرض عليهم الحقّ خوفا من قوّة حجّته ومن نصاعة بلاغته وعظيم سلطته على القلوب إذا اقتربت وعلى العقول إذا تفكّرت، لكنها لا تقترب ولا تتفكّر: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) (الملك: 10).. فلماذا كانت أعين الكافرين في غطاء عن ذكر الله؟ ولماذا لم يسمعوا الوحي ولم يعقلوا الحقّ؟

آفة الإنسان الغفلةُ عن الحقّ، وأشدّ أعداء العقل تقليدُ السّابقين بغير حجّة ولا دليل ولا كتاب منير، وقد ذكر الله هنا -كما في مواضع كثيرة- البصر والسّمع دون سواهما من الحواسّ الأخرى لأنهما أداتا إدراك الحقّ بالسّماع والنّظر وتأمّل العقل في ما ينقلانه إليه من بدائع ما خلق الله في كتابه المنظور، أو من سماع أخبار الغيب من الكتاب المسطور.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!