رسائل مشفرة من الجزائر وأنقرة إلى باريس
في خطوة فيها الكثير من الرمزية والإيحائية، وقعت الجزائر وتركيا، على ثلاثة عقود جديدة لتطوير المصنع البتروكيماوي لإنتاج الـ”بوليبروبيلين” بمدينة جيهان التركية، وهو المسعى الذي جاء بعد أيام من تصريحات مستفزة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، استهدفت كل من الجزائر وتركيا معا.
وحضر فعاليات التوقيع على العقود، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزيرا الصناعة والنقل التركيان، وهو الاتفاق الذي أفرز شراكة بين عملاق الطاقة الجزائري، شركة سوناطراك، ونظيرتها التركية شركة “رونيسانس”، وفق ما جاء في بيان للشركة الجزائرية.
ويتعلق العقد الأول بإنجاز المشروع بكل مراحله من الدراسات الهندسية المفصلة والمشتريات والإنجاز وبدء التشغيل، أما العقد الثاني فيتعلق بأشغال الصيانة الدورية للأجهزة والمعدات، ويتعلق العقد الثالث بخدمات بيع وتسويق الإنتاج، وهي العقود التي جاءت تتويجا لأكثر من سنتين من العمل والمفاوضات.
ويعتبر حضور الرئيس التركي فعاليات حفل التوقيع على العقود الثلاثة، رسائل مشفرة، برأي مراقبين، للرئيس الفرنسي ومن هو مقتنع بطروحاته، مفادها أن العلاقات الجزائرية التركية أقوى مما يتصور ماكرون، وهي ماضية في التنويع على حساب النفوذ الفرنسي في الجزائر، والذي خسر الكثير بسبب السياسات الفرنسية غير المحسوبة العواقب.
ويأتي هذا الاتفاق بعد يومين من تصريحات وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، أثنى من خلالها على الدولة التركية، وعلى دورها في عملية دعم التنمية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة.
وأكد لعمامرة على أن بلاده تتطلع إلى المزيد من علاقات الشراكة والاستثمارات التركية، كما أشار إلى أن الجزائر وتركيا يمتلكان علاقات تاريخية عميقة وروابط معنوية قوية.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، أول من وجّه رسائل مشفرة لفرنسا، في حواره الشهير مع مجلة “لوبوان” الفرنسية، والتي لام فيها باريس على عدم جديتها في دعم الاستثمار في الجزائر، عندما قال إن “الجزائر تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك، لأنهم استثمروا قرابة خمسة ملايير دولار في الجزائر دون أية مطالب سياسية”، وخاطب من أزعجهم التقارب الجزائري التركي، بأن “يأتوا ويستثمروا كما استثمر الأتراك في الجزائر”.
ومعلوم أن ماكرون كان قد هاجم بشدة الوجود التركي في الجزائر ووصفه بأنه استعمار وفق ما جاء في يومية “لوموند”، وعبّر عن استغرابه من وجود قناعة لدى الجزائريين بأن الوجود التركي يختلف كثيرا عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهي التصريحات التي رد عليها لعمامرة بقوله: “مهما كان سبب المشكلة بين فرنسا والجزائر، لا أعتقد أنها ستؤثر على علاقاتنا مع الدول الشقيقة مثل تركيا”.
ولم يتخلف الرد التركي على الرئيس الفرنسي، فقد رد وزير خارجية أنقرة، مولود جاوييش أوغلو واصفا تصريحات ماكرون، بـ”الرخيصة وغير المجدية”، وقال أوغلو إن “فرنسا تحاول في الآونة الأخيرة مراجعة تاريخها الاستعماري”، غير أنه نبّه إلى أن “تفسيرات خاطئة وتحريفات للقضايا التاريخية انتشرت في الفترة الأخيرة، وبدأت علامات الاستفهام تزداد حول مدى صدق فرنسا في هذا الصدد”، مثنيا في الوقت ذاته على الرد الجزائري قائلا: “الجزائر أظهرت بالفعل الرد اللازم على تصريحات الرئيس الفرنسي“.