-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رسالة إلى الرئيس القادم.. حتّى تخضع فرنسا

رسالة إلى الرئيس القادم.. حتّى تخضع فرنسا

منذ حراك 2019، ظلت العلاقات الجزائرية الفرنسية تتأرجح بين التوتر والهدوء المشوب بالحذر، ولم تنجح كل محاولات رأب الصدع لإعادتها إلى سكّتها القديمة من التعاون والتفضيل الذي ظفرت به باريس في ظروف سياسية خاصة، تحت الابتزاز وشراء ولاءات مسؤولين تعلقت قلوبهم وجيوبهم بـ”عاصمة الجن والشياطين”.
سيكتب التاريخ أن رجالا أحرارا وقفوا، في كل المراحل، الند للندّ لتصحيح الأوضاع العرجاء في علاقة جزائر الاستقلال بالمستعمِر القديم المهوس بأحلام الكولونيالية الجديدة، خاصة خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت نبرة الدبلوماسية الوطنية بالتحدي والدفاع القوي عن مصالح البلاد العُليا، تأسيسًا لعلاقات صحيحة، قِوامها التوازن والاحترام وتبادل المنافع، وقبل ذلك كله الحفاظ على الذاكرة الوطنية.
أمام تلك التحوُّلات الواقعية، حاولت باريس في عهد ماكرون المناورة لربح الوقت، لأن الرفض المطلق لموقف الجزائر الرسمية لم يعد ممكنًا في المرحلة الجديدة، فكانت تتقدَّم خطوة إلى الأمام (إعلان الجزائر ولجنة الذاكرة المشتركة مثلا) ثم تتراجع خطوات أخرى للوراء، من إنكار وجود الأمة الجزائرية إلى إشهار ورقة مسمّى “الحكم الذاتي” لاحتواء القضية الصحراوية، من دون أن يتعظ الفرنسيون من تداعيات الأزمة مع مدريد على خلفية الموقف نفسه.
على صناع القرار في قصر الإليزي الإدراك الكامل أنّ ملفيّ “الذاكرة الوطنية” و”الصحراء الغربية” خطان أحمران عند الجزائريين، أيًّا كانت مواقعهم بين السلطة والمعارضة السياسية وعموم النخب والشعب، لارتباط الأول بأمانة الشهداء وجرائم الاستعمار في بلادنا، وتعلّق الثاني بقضية مبدئية عادلة لا يمكن التخلف عن نصرتها، زيادة على حساسيتها البالغة بالنسبة للأمن القومي الجزائري في ظلّ الروح العدائية التوسعيّة لنظام المخزن واستقوائه ضدّنا بالكيان الصهيوني.
وعليه، فإن رسالة الجزائريين إلى الرئيس القادم بعد 7 سبتمبر، سواء واصل المترشح عبد المجيد تبون مسيرته، أو خلفه غيره، هي أن يبادر بحزمة من القرارات التدريجية والإجراءات المشروعة ضمن مسار استكمال التحرُّر الثقافي والسياسي والاقتصادي والخروج النهائي من دائرة التبعيّة بكل ألوانها ومجالاتها، لأن ذلك هو ما سيشكل الحل الجذري في مواجهة التفكير الفرنسي الأبويّ المسكون بروح الهيمنة والاستعلاء تجاه دول وشعوب المستعمرات القديمة.
إن استدعاء السفير الجزائري من باريس في واقعة سابقة ثم سحبه مؤخرا وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال، تبقى مجرد آليات عرفيّة للتعبير عن التوتر السياسي، ربّما ينتهي مفعولها بمرور الوقت، وتحين ظروف بديلة من الهدوء والمجاملات لتعود المياه إلى مجاريها باستئناف السفير نشاطَه الرسمي.
أما ما يمكن أن يضع حدّا فاصلاً لغطرسة الفرنسيين في تعاطيهم السلبي مع العلاقات الجزائرية فهو الإجراءات التأديبية في العمق، خاصة ما تعلق منها بزحزحة وضع اللغة الفرنسية في التعليم والفضاء العامّ، وكذا كبح التعاون الاقتصادي وامتيازات الشركات الفرنسية.
وبهذا الصدد، سنرفع إلى فرسان رئاسيات 2024 تصوُّرات ومقترحات النخب الجزائرية المُعبَّر عنها افتراضيّا في الآونة الأخيرة، عقب الأزمة الناشئة عن الموقف من الصحراء الغربية، والتي يمكن اعتبارها أوراقًا قوية رابحة في مناكفة النظام الفرنسي.
وعليه، نقترح على رئيسنا المنتظر بعد 7 سبتمبر الآتي:
– التخلّي نهائيًّا عن الفرنسية في الطور الابتدائي والاكتفاء باللغة الإنجليزية.
– جعل الفرنسية اختيارية في امتحانات شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا.
– توقيف مرحلي للتدريس باللغة الفرنسية في الجامعات الجزائرية.
– التطبيق الفعلي والصارم لقواعد قانون تعميم استعمال اللغة العربية.
– تجريم تصريح المسؤولين وتعامل الإدارات باللغة الفرنسية.
– النهوض بمشروع تعريب التعليم والعلوم والمعارف والبحث والترجمات.
– انفتاح الثقافة الجزائرية أكثر نحو العالمية والتخلّص من الارتهان الفرنسي.
– تجريم الاستعمار ضمن التشريع الوطني والسعي لاعتماده أمميًّا وإفريقيّا.
– إلغاء أي امتيازات موروثة، علنية أو خفيّة، للشركات الفرنسية.
– تخفيض التعاون الاقتصادي مع الفرنسيين إلى الحد الأدنى.
– دعم الانفتاح على اقتصادات دول بديلة بعيدا عن النزعة الاستعمارية.
إن هذه الخيارات السياديّة، إذا ما تمّ تبنّيها بكل روح وطنية ومسؤولية تاريخية، ستفتح أمام الجزائريين صفحة جديدة من الشموخ والبناء، بفعل الخروج النهائي من الهيمنة الثقافية والاقتصادية الفرنسية، بل نحن على يقين أن الإرادة الصادقة قوية في هذا الاتجاه والعزم قائم.
أما المطلوب في المرحلة الحاليّة فهو التفاف المواطنين حول الاستحقاق الرئاسي لإضفاء شرعية سياسية أكبر على نتائجه، وإحاطة المترشّح المتعهد بقطع الحبل السُّرّي مع باريس بالسند الانتخابي اللازم، لأنه السبيل الأمثل لتحرير طريق الجزائريين نحو التقدم والازدهار.
كما يتعين على الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني وكل القوى الحية في المجتمع، المؤمنة بالتحرر الوطني الشامل، تبنّي هذه المقترحات وتحويلها إلى مطلب جماعي، يقع على عاتق الرئيس الاستجابة له مستقبلاً، باعتباره ممثلا لإرادة الأمة العُليا، إذ سيكون مسنودًا سياسيًّا وشعبيًّا في كل الخطوات التي يقررها ضمن هذا المنحى السيادي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!