-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رفْع الغُمّة في بلوغ مجلس الأمّة!

رفْع الغُمّة في بلوغ مجلس الأمّة!
أرشيف

وأخيراً أُسدِل الستار عن انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، لكنها للأسف لم تختلف عن مواعيد سابقة، طغى فيها الحديث عن سطوة المال الفاسد وشراء الذمم بكل الطرق، لأجل نيْل مقعد للحصانة والنفوذ في “مجلس القاعدين”، يكون مفتاحًا سحريّا لإفلات المشبوهين من العدالة، أو قضاء الحوائج لأصحاب المقاولات والتجارة، أمّا العمل البرلماني بشقيّه التشريعي والرقابي، فهو آخر اهتمامات غالبيّة الفائزين بدخول الغرفة العليا.
لا شكّ أنّ التعميم في إدانة جميع المتنافسين لا يستقيم مع منطق الأخلاق والإنصاف، غير أنّ توظيف الأدوات القذرة في إدارة الاستحقاق ثابتٌ بشهادة الأحزاب والمرشّحين والمناضلين على السواء، حتّى أن الصحافة الوطنيّة قدّمت بالأرقام بورصة الأصوات التي بلغت 50 مليونًا في عاصمة البلاد للصوت الواحد، ولم تنزل عن 10 ملايين في أقلّ الولايات سعرًا، وهذا يعني أنّ نوّاب الأمّة الجدد هم من رجال المال والأعمال أو سفراء عنهم، سيتولّون الدفاع عن مصالحهم الخاصّة، ويشفعون لهم في كل المحافل الإداريّة، ليبقى الشعب دون محامٍ يُرافع عن همومه، لأنّه لا يدفع مالاً لهؤلاء!
صحيحٌ أنّ بعض المتوّجين هم مناضلون معروفون في أحزاب عريقة، لا يمكن الطعن في حضورهم السياسي، لكن جزءا منهم لم تبرأ ذمّته كذلك من الممارسات الممجوجة، سواء بين أنصارهم أو مع حلفائهم من التشكيلات الحزبية الأخرى، فقد كانت الرشاوى العينيّة والعقاريّة والوظيفيّة سبيلهم لاستمالة المصوّتين، فكان خيار المُنتخِبين مبنيّا على ضمانات الفارس في الوفاء بالوعود المعسولة، ولا علاقة لموقفهم بتحقّق الكفاءة أو شروط النزاهة المؤهِّلة للنيابة الشعبيّة.
إذا كانت مُصيبة التزوير في الانتخابات العامّة أنّها تفرز رابحًا وخاسرًا باسم الصندوق، فإنّ الطامة أكبر في سباق مجلس الأمّة، لأنّ المتضرّر المُفترض متواطئ في تكريس الفساد الانتخابي عبر صفقات وتحالفات نفعيّة ضيّقة، لا تراعي القيم الأخلاقية والسياسيّة، بل تتماهى مع الواقع الرديء، لأجل مآرب شخصيّة أو حزبيّة على حساب النضال المبدئي.
هل يُعقل أنّ أحزابًا في المعارضة، ما فتئت تشتكي من التزوير في كل المواعيد الانتخابية، تتحالف مع سارقي أصواتها، من أجل رئاسة لجنة في مجلس بلدي أو ولائي أو مندوبية ملحقة للبلديّة أو مقرّ حزبي أو ترقية مهنيّة لبعض أعضائها؟ فليس من حقها بعد الآن أن ترفع صوتها بالضجيج وهي تسند المزوّرين في عُرفها، وإن كانت مخطئة في حقهم، فوجب عليها سحب الاتهام الباطل.
خلاصة القول في انتخابات مجلس الأمة، هو أنّ المنافع الماديّة تحرّك الأغلبية الساحقة، من مرشّحين ومنتخبين، موالاة ومعارضة من كل الأطياف، والرابح الأول هو من يدفع أكثر، سواء أصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره من أرباب المال اللاهثين وراء الحصانة والجاه.
لقد كان مجلس الأمة منذ استحداثه بموجب دستور 1996 محلّ اعتراض وجيه لدى الكثير من خبراء السياسة وفقهاء القانون الدستوري، مُعتبرين أن الغرفة العليا في مؤسسة البرلمان مجرّد عصا في عجلة السلطة التشريعية، أمّا اليوم فقد صار عبئها مضاعفًا وهي تتحوّل إلى حيلة تمثيليّة بهدف الربح السريع والترقية الاجتماعية.
لا نظّن أنّ من ينفق الملايير لأجل الظفر بمقعد في البرلمان بغرفتيه قد جاء لغرض آخر غير جمع المال الفاسد، أو كسب الحصانة من المتابعة القضائية، في حين تبقى الانتخابات والتعدديّة والتمثيل الشعبي مجرّد وسائل لتجسيد الغايات الدنيئة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الطيب

    المصيبة يا أستاذ هي أننا لا نتعظ مما حدث لنا و يحدث ...و هل أمراضنا المعقدة التي استعص علاجها سببها غير التزوير و الاحتيال ..!!؟
    بالنسبة للخطأ كل البشر يخطئون و الخطأ يتبع بعقوبة بمثابة موعظة و لكن الموعظة التي يتكرر بعدها نفس الخطأ لا ننتظر بعدها إلا عقوبة أشد من الأولى و لا يفلح منها إلا ماشاء الله ...