رمضان المؤثرين والمؤثرات.. نسخة مشوهة للشهر الكريم

يمر الوقت بسرعة، رمضانات تتوالى ولا تتشابه. فقدت، منذ مدة عبق الماضي وتقاليده، وبعد أن كان رمضان فرصة للبدء من جديد، لطي السجلات القديمة، وبعد أن كان موعدا مقدسا لتلاحم العائلة، للتقرب أولا وقبل شيء إلى الله- سبحانه وتعالى- من خلال العبادات، تحول رمضان لفئة كبيرة خاصة الشباب، إلى نسخة مشوهة من يوميات أهل المواقع، من مؤثرين ومؤثرات، ممن اختلط عليهم الأمر، فصاروا يتسارعون إلى قولبة رمضان إلى يوميات، الصوم فيها ليس جنة، بل انقطاع عن الأكل والشرب فحسب، والعبادات مصورة، الهدف منها الرياء والتباهي لا العبادة نفسها، بل بالإطلالة المكلفة بخمار مستعار أو قميص خليجي مكلف، وبلغة من جليد.
اليوميات تنطلق في مطبخ مجهز وبكاميرا مفتوحة على اللامبالاة، بلايف على تيكتوك، يجمع بدل الحسنات اللايكات، تقف المؤثرة تحضر الأكل من بوراك وشوربة، ومن لحم لحلو والسفيرية للطواجن العريقة والحلويات، التي تزيد نسبة السكر والمشاهدات، ولا يهم مظهرها، بل الأهم، هو عدد المتابعين الشغوفين بحياة ليست حياتهم، متشبثين بحلم النجاح، مثلهم مثل مؤثريهم المفضلين. وفي الكثير من الأحيان، لا تهتم المؤثرة بالطبخ، بل بالترويج للأكل الجاهز، من مطاعم فلان وعلان، التي ترسل البوكسات الشهية بالمجان، لكسب زبائن جدد من متابعيها.
من الإفطار، ينتقل الديكور إلى الصالون المزين بفوانيس رمضان الدخيلة بالشاي والشربات بالزلابية وقلب اللوز، وفي أوان متشابهة، ذهبية اللون، تتدافع حبات اللوز والجوز والفستق والبندق.
من أجواء رمضان، ينتقل الديكور مرة أخرى إلى مكان مجهز بأنواره وكاميراته، ليعلن ساعة انطلاق اللايف، وهنا يختفي رمضان تماما، مثل هلاله، إلى حين تخرج فلانة بيوتي من وهم بيع الوهم، ويتواصل البث لساعات متأخرة، لا قيام ليل ولا تهجد. وبينما يظهر فلان على شاشة المباشر، ينقطع معه الآلاف عن التراويح وزيارة الأقارب، كل في ركنه الركين، يمسك بموبايله ويكبس ويكبس، حتى تتشنج أصابعه من التكبيس.
على أنتسغرام، الأمور تقام بالشان والطبع، كل شيء في مكانه، السنيوات والشهيوات والقهيوات، لتوثيق اللحظة في ستوري، دون أن تنسى السبونسور الأساسي، الذي يدفع إليها في سبيل الترويج لسلعه، من عبايات وأحذية ومواد تجميل وغيرها..
وبينما يتهيأ الناس للسحور، يتهيأ أهل التيكتوك والإنستغرام للنوم. ففي الفجر، يبدأ صوم من نوع آخر، صوم عن الخير وصلة الرحم، صوم عن العبادات وقراءة القرآن في انتظار أن تدق الساعة تمام اللايف.
وقلما تجد المؤثرين، وخاصة المؤثرات، يركزون على نشر الوعي في رمضان، لأنهم لا يعتبرون أنفسم أهلا للوعي، بل مقاولين استثمروا في مشروع مربح، يجنون منه الملايين، ولا تهم الطريقة، طالما يتم صب الراتب من إدارات التيكتوك واليوتيوب.
وعلى اختلاف منصاتهم ومحتواهم عليها، لا يختلف اثنان في أن هناك من يغتنم شهر رمضان لنشر الوعي الديني، للصلح بين الناس، لتوجيههم، لدفعهم دفعا للتقرب إلى الله، خاصة في رمضان، لما له من قدسية.
فهل أعجبتكم يوميات هؤلاء، التي تفتقد النية والعفوية، وكل شيء فيها مصور ينتظر منه تحقيق المشاهدات العالية. ويا ويله من يخسر في حرب المشاهدات. فهل ترونهم الآن نموذجا في رمضان أو خارج رمضان، وهل يعقل أن يتحول الذئب إلى حمل وديع في غابة من الأكاذيب. وهل يعقل أن تفسد مؤثرة بفيديوهات صيام آلاف من الشباب، بدل