-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قال إنّ "التاريخ فصلنا ومزّقنا ولا يزال يطاردنا"

“زلة” السفير الفرنسي بشأن الذاكرة الجزائرية تجاه الاستعمار

محمد مسلم
  • 3601
  • 0
“زلة” السفير الفرنسي بشأن الذاكرة الجزائرية تجاه الاستعمار
أرشيف

استعادت السفارة الفرنسية في الجزائر حيويتها بعد بضع سنوات من وضع غير معهود، افتقدت خلالها الروابط العلنية مع بعض النخب السياسية والإعلامية، وذلك في أعقاب تحول هذه القطعة السيادية من التراب الفرنسي، إلى شبهة قد يؤدي بالمترددين عليها إلى الحساب العسير.
هذه المعاينة توقف عندها أيضا حتى السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتي، في كلمة له بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني الفرنسي، الذي يصادف الرابع عشر من جويلية من كل سنة، بمقر إقامته بأعالي العاصمة في الأبيار، وهو يلقي كلمة مقتضبة، استعرض خلالها وضع العلاقات الثنائية، وحاجة كل من الجزائر وفرنسا إلى بعضهما البعض، لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجههما.

فقد تفاجأ السفير روماتي بما وصفه الحضور الكثيف وغير المسبوق للمدعوين الذين تجاوبوا مع دعوة السفارة لمشاركتها الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، والذي يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية حالة من الاستقرار المشوب بالحذر، بدليل حضور كل من وزير العدل، عبد الرشيد طبي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، واللذين يمثلان الدولة الجزائرية في هذا الاحتفال الرسمي.
السفير الفرنسي بدا سعيدا بكثافة الحضور والذي يمثل العديد من حساسيات المجتمع الجزائري، من سياسيين رسميين وغير رسميين، وإعلاميين ورجال مال وأعمال وفن وثقافة، وممثلي السلك الدبلوماسي الممثل في الجزائر، فضلا عن العديد من الجزائريين من حاملي الجنسية المزدوجة، وربما هذه الغبطة هي التي جعلته يدلي ببعض العبارات التي لم تمر مرور الكرام على بعض الحاضرين، وهي تلك التي عاد من خلالها إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي يغلب عليها الطابع المأساوي، بسبب جرائم النظام الاستعماري بحق الجزائريين، كما جاء على لسان العديد من الرؤساء الفرنسيين، على غرار الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، وسلفه فرانسوا هولاند، وحتى الرئيس الذي سبقهما، نيكولا ساركوزي، المعروف بتوجهاته اليمينية “المتطرفة”.
وفي الكلمة، تحدث ستيفان روماتي عن الروابط الإنسانية الموروثة من الماضي، والتي قال إنها تشكل عاملا يساعد على إضفاء الديمومة على العلاقات الثنائية وجعلها مستقرة، خدمة لمصالح البلدين، ولكنه وفي خضم هذا الانفعال المفعم بدافع التعبير عن مدى حاجة البلدين إلى الآخر، كل حسب خصوصياته، سقط في مطبة من شأنها أن تخلف قراءات متباينة، ولاسيما بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن الاستعمار الفرنسي للجزائر أعادها قرونا إلى الوراء وأن الاستقلال كان لحظة خلاص فارقة من نظام استعماري، استغلالي جائر ومجرم.
لقد قال السفير وهو يستحضر مقومات وواجبات التقارب بين البلدين، “لقد فصلنا التاريخ ومزقنا وأساء إلينا، وأحيانًا، في ذكرياتنا، لا يزال هذا التاريخ يطاردنا”، وهي المسألة التي لا يتفق معه الجزائريون بشأنها، لأن الشعبين لم يكونا يوما شعبا واحدا، وإنما حاول الطرف الأقوى أن يفرض ذلك بالحديد والنار، وحتى هذا “الواحد”، لم يكن واحدا بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما كانا شعبين، طرف محتل ظالم وافد يحتكر كل شيء، القوة والسطوة وكل مقومات الثروة من أرض ومال.. وشعب آخر صاحب الأرض الحقيقي، محروم من كل شيء حتى من أبسط مقومات الحياة والحرية والهوية..
ورغم كل ما حصل من تحرر للشعب الجزائري من النظام الاستعماري، بكل ما صاحبه من دم ودموع، إلا أن الدبلوماسي الفرنسي لا يزال يأمل في حدوث التقارب المأمول من وجهة نظره، انطلاقا من عوامل الجغرافيا والمستقبل والروابط الإنسانية والعائلية، والتي من شأنها أن تجعل “مصير بلدينا مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بشدة من خلال تشابك روابطنا الأسرية”.
مثل هذه المقاربة التحليلية في قراءة كلام السفير الفرنسي، قد يعتبرها البعض وخاصة الجانب الفرنسي وأولئك الذين يحنون إلى “الجزائر الفرنسية” بمن فيهم من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، ارتهانا للماضي الاستعماري، وتحويل قضية الذاكرة إلى “سجل تجاري”، كما قال ذات مرة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكن ما دامت باريس تواصل سياسة الهروب الأمام رافضة تحمل مسؤوليات الدولة الفرنسية، فإن الماضي سيبقى المشكلة التي تتبلور من خلالها مواقف الدولة الجزائرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!