“زوالية” بطالون ومطلقات حوّلوا الملايير في تجارة وهمية للذهب!

فجرت محاكمة المتهمين في ملف “الذهب وتبييض الأموال”، حقائق صادمة عن استغلال الزوالية والبطالين.. المرضى والمطلقات واليتيمات في ضخ الملايير من الدينارات في حساب أصحاب المال وتجار “المعدن الأصفر”، تحت غطاء بيع الذهب بالجملة، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 5 و30 مليون سنتيم عن كل معاملة…
فيكفي أن تمنح نسخة من بطاقة الهوية لـ”مايسترو” المسجون “عبد الرحمان”، الذي يتكفل بجميع الإجراءات انطلاقا من عمليات كراء المحلات، مرورا بعقود التوثيق وصولا إلى السجلات التجارية لتصبح تاجرا بالجملة للذهب والمجوهرات، مع أنه لا أحد من هؤلاء يحوز فلسا واحدا في جيبه أو في حسابه.. وما خفي أعظم.
تفاصيل مثيرة ومؤسفة في نفس الوقت، شهدتها القاعة رقم 5 بمحكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، أين امتزجت فيها التهم بالدموع التي ذرفتها نساء مطلقات ويتيمات ومريضات أميات لا يفقهن شيئا في التجارة والقانون، لكن وجدن أنفسهن أمام مقصلة القضاء يواجهن تهم “جماعة إجرامية منظمة”.. لكن، كما يقال “القانون لا يحمي المغفلين” أو كما ردد القاضي “راقد وتخلص”؟
أتلقى من 4 إلى 10 ملايين عن كل عملية
واجه قاضي الفرع الثالث لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، خلال اليوم الثاني للمحاكمة، كل متهم من أصحاب السجلات التجارية للنشاطات الوهمية في تجارة الذهب بالجملة، بالملايير التي قاموا بتحويلها إلى حساب شركتي مستوردي الذهب “بيجو وسام”، الكائن مقرها بأولاد فايت بالجزائر العاصمة وشركة EURL THE BEST IN GOLD الكائن مقرها بولاية باتنة، مقابل مبالغ مالية تبدأ من 5 ملايين وتصل إلى 30 مليون سنتيم.
القاضي وخلال استجوابه للمتهمين أجمعوا كلهم على أنهم تعرفوا على المدعو “ج. عبد الرحمان” الذي كان يقوم بجميع الإجراءات من خلال منحه من هؤلاء نسخة من بطاقة التعريف، حيث يتكفل هذا الأخير باستخراج سجلات تجارية بأسمائهم وكراء محلات بطريقة صورية بولاية قسنطينة بتواطؤ من المدعو “ش. حسين”، العامل لدى أحد الموثقين، ثم تنقل بعضهم إلى مصرف السلام الجزائر العاصمة في البداية بعد إنشاء حسابات بنكية في البنك، حيث يكون في استقبالهم شخصان، ويتعلق الأمر بكل من المدعوين كمال وعمر، أين يطلب منهم التوقيع على أوامر الدفع ووضع الأختام الخاصة بهم عليها دون علمهم بمصدر تلك الأموال أو مشاهدتهم لها فعليا.
ليتم بعد فترة فتح حسابات بنكية أخرى على مستوى بنك BNA بشارع زيغود يوسف الجزائر العاصمة للقيام بنفس العمليات وصرحوا بأنهم بعد الانتهاء من الإجراءات على مستوى البنك يتنقلون إلى مقر شركة “وسام بيجو”، حيث يتم موافاتهم بفواتير وهمية للتوقيع ووضع الأختام الخاصة بهم عليها والاستفادة من عمولات مالية تتراوح ما بين 5 ملايين سنتيم و30 مليون سنتيم، وهي نفس المعاملات الوهمية التي قام بها المتهمون مع شركة “EURL THE BEST IN GOLD”، من خلال اتباع نفس الأسلوب الاحتيالي والإجرامي المتبع بخصوص العمليات التي تمت مع شركة “وسام بيجو”.
كما اعترف المتهمون أمام هيئة محكمة القطب بأن جميع الفواتير المحررة بواسطة سجلاتهم التجارية، تضمنت عمليات بيع وهمية، حيث اتضح أنهم لم يقوموا إطلاقا بشراء كميات المعدن الأصفر، فيما ردد بعضهم عبارات “وضعنا في عبد الرحمان الثقة الكاملة لنجد أنفسنا اليوم أمامكم سيدي الرئيس؟”، لكن القاضي رد عليهم قائلا: “الكل راقد في دارو.. والصوارد تتهاطل على كل واحد فيكم.. ديمرايتو بـ”السنكيام”؟ تابعوا:
القاضي يستجوب المتهم “خ. يزيد” صاحب سجل تجاري لنشاط تجارة الذهب بالجملة.
القاضي: هل تعترف بالتهم الموجه إليك أم تنكر؟
المتهم: لا سيدي الرئيس أنكرها.
القاضي: فصّل لنا في رواية السجل التجاري لتجارة الذهب بالجملة وأنت بطال، من اتصل بك ومتى وماذا جرى؟
المتهم: المدعو “ج. عبد الرحمان” هو من اتصل بي وهذا في نهاية سنة 2021، وقال لي أحضر لي نسخة من بطاقة التعريف ثم قام بكراء محل مع استخراج سجل تجاري باسمي على أساس أنني تاجر ذهب بالجملة.
القاضي: مقابل ماذا؟
المتهم: مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 4 إلى 10 ملايين.
القاضي: ما علاقتك الأصلية بالمدعو “د. عبد الرحمان”؟
المتهم: لا علاقة لي به هو من جاء عندي واقترح علي هذا العمل وقال لي: “رايح نعاونك”.
القاضي: “كاين واحد يخلص وهو راقد وقاعد في دارو”؟
المتهم: سيدي الرئيس “تفهمنا باش نخدمو” ولكن هذا ما حدث حتى وجدت نفسي أمامكم.
القاضي يرد عليه: “أنت وجدت نفسك هنا” لأنك قمت بعمل غير قانوني.
القاضي: كم من عملية قمت بها؟
المتهم: لا أتذكر كنت أتنقل مع عدد من الأشخاص رفقة عبد الرحمان إلى العاصمة وبالضبط إلى بنك السلام والبنك الوطني الجزائري، ثم نقوم بالإمضاء على عدد من الوثائق، بعدها ننتقل إلى أولاد فايت، حيث مقر الشركة ونمضي على فواتير ثم نعود من حيث أتينا.
القاضي: هل سبق أن استلمت معدن الذهب؟
المتهم: لا، أبدا سيدي الرئيس لم أستلم ولا غراما من الذهب.
القاضي: عندك محل للممارسة نشاط تجارة الذهب؟
المتهم: لا ماعنديش.
القاضي: ما هي علاقتك بشركة “وسام بيجو”؟
المتهم: عبد الرحمان هو من يتكفل بنقلنا إلى مقر الشركة “وسام بيجو”.
القاضي: ما هو مستواك الدراسي؟
المتهم: الثامنة أساسي.
القاضي: هل تؤكد أن العمليات التي تقوم بها احتيالية؟
المتهم: الحكاية أنني “ما نعرفش.. درت الثقة في مول الصنعة” عبد الرحمان.
القاضي: هل تعلم أنك قمت بمعاملات تجارية تقدر بمليار و270 مليون دينار.
المتهم: لا أنكر ذلك.
القاضي: هل تعلم أن الأموال كانت تصب في حساب شركة “وسام بيجو”؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس.
أنا يتيمة الأبوين و”خدموا بيا”
القاضي يستجوب “ش. إكرام” التي كانت المتهمة الأولى لمباشرة التحقيق في ملف الحال من طرف نيابة الجمهورية لدى محكمة قسنطينة، بعد أن تم اكتشاف أن هذه الأخيرة تحوز سجلا تجاريا وختما خاصا بالتجارة بالجملة للمجوهرات والساعات الثمينة، دون ممارستها لهذا النشاط فعليا، وهذا بعد سماع أقوالها على إثر تقديمها في قضية الاعتداء على مسكنها العائلي.
المتهمة إكرام وخلال استجوابها صرحت بأن المدعو عبد الرحمان قام باستغلال ظروفها الاجتماعية المزرية وإغرائها بالمال، للقيام بمعاملات تجارية مشبوهة للتهرب الضريبي، تمثلت في استخراج سجل تجاري وفتح حساب بنكي باسمها الشخصي على مستوى وكالة دالي إبراهيم لمصرف السلام الجزائر لغرض تحرير فواتير، تضمنت عمليات شراء وبيع للمجوهرات والمعدن الأصفر، دون قيامها فعليا بهذه العمليات.
وأشارت إلى أن المدعو عبد الرحمان هو من طلب منها استخراج هذا السجل التجاري وأن المعني من كان يرافقها إلى البنك، لإيداع الأموال بحسابها البنكي وكذا للتوقيع والختم بواسطة ختمها، على الصكوك البنكية إضافة إلى باقي الوثائق المتعلقة بهذه العمليات المشبوهة، على غرار “الفواتير، سندات الطلبية، وصولات التسليم… وغير ذلك”، التي كانت تقوم بالتوقيع عليها بمقر شركة وسام للمجوهرات الكائنة بولاد فايت، كما أوضحت أنها سبق لها أيضا أن توجهت برفقة عبد الرحمان إلى ولاية باتنة، للتوقيع على بعض الوثائق لدى إدارة الضرائب دون علمها بمحتواها.
وبالمقابل، اعترفت بتلقيها مبالغ مالية معتبرة من عند المشتبه فيه جلودي عبد الرحمان تتراوح ما بين 20 و30 مليون سنتيم، عن كل عملية تقوم بها معه.
القاضي: ماذا تقولين بخصوص التهم الموجهة إليك؟
المتهمة: أنكرها تماما سيدي الرئيس.
القاضي: ما هي علاقتك بـ”ج عبد الرحمان” وماذا عن نشاط تجارة الذهب؟
المتهمة: سيدي القاضي أنا يتيمة لا أب ولا أم ودون أي دخل، تعرفت على عبد الرحمان عن طريق جارنا “ش. حسين”، الذي يشتغل لدى موثق وتعرفه أمي قبل وفاتها وقال لي بالحرف الواحد: “أنا نعاونك في أمورك حتى تتحسن وعلى هذا الأساس أوصلني إلى عبد الرحمان”.
المتهمة بدت عليها علامات الخوف والرجفة والخفقان عند الكلام أمام هيئة المحكمة وتابعت تصريحاتها: “عبد الرحمان هو من استغلني وأوصلني إلى هنا”.
القاضي: من تكفل باستخراج السجل التجاري؟
المتهمة: “ج. عبد الرحمان”.
القاضي: كيف تم الاتفاق بينك وبينه؟
المتهمة: قال لي أحضري لي نسخة من بطاقة التعريف وقام باستخراج السجل التجاري باسمي.
القاضي: تجارتك بالجملة أو التجزئة هل كان عندك رأس مال؟
المتهمة: 0 دينار سيدي الرئيس.
القاضي: تفتحين شركة بالجملة دون رصيد مالي؟
المتهمة: أنا لا أعرف سيدي الرئيس “خدمو بيا”.
القاضي يقاطعها الحديث: “ما عندك محل وما شريتي السلعة ومع هذا أنت تاجرة الذهب بالجملة عجيب!”.
القاضي: كم من عملية قمت بها في أولاد فايت بالعاصمة وباتنة؟
المتهمة: 5 عمليات في العاصمة وعملية واحدة في باتنة.
القاضي: هل لديك إقامة هنا في الجزائر العاصمة؟
المتهمة: لا سيدي الرئيس لا أحوز إقامة في العاصمة.
القاضي: قلت إنك تتلقين عمولات مالية مقابل التحويلات البنكية التي تقومين بها؟
المتهمة: لا أعلم.
القاضي: من يدفع لك الأموال؟
المتهمة: عبد الرحمان.
القاضي: توقعين وتبصمين وتختمين.. لكن لا تعلمين شيئا.. غريب؟
القاضي: أنت قمت بتحويل 785 مليون دينار لحساب شركة “وسام بيجو”؟ من كان يدفع لك؟ وما هو الثمن؟
المتهمة: عبد الرحمان هو من يتكفل بكل الأمور سيدي الرئيس.
أحوّل الأموال وأركب السيارة وأتوجه إلى “وسام بيجو”
رئيس الجلسة ينتقل إلى استجواب المتهم “ب. بوبكر”، المتابع عن وقائع تحرير 25 فاتورة وهمية لصالح شركة “وسام بيجو”، إذ أكد أنه في معرض تصريحاته أمام هيئة الفرع الثالث للقطب الاقتصادي والمالي أنه ضحية “استغلال” من طرف المدعو “ج. عبد الرحمان” وشركة “وسام بيجو”، إلا أن القاضي واجهه بكل الأدلة والقرائن المتوفرة والمدونة في الأمر بالإحالة.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزور في محررات تجارية ومصرفية وممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية ومزيفة هل تعترف أم تنكر؟
المتهم: لا، أنكرها جملة وتفصيلا.
القاضي: ما هو نشاطك.
المتهم: أنا أعرف “ج. عبد الرحمان” بحكم أننا منحدران من نفس الولاية وهي قسنطينة وقد عرض علي فكرة استخراج سجل تجاري باسمي لممارسة نشاط التجارة بالجملة للذهب، كما طلب منه مرافقته إلى إحدى الشركات المختص نشاطها في تصنيع الذهب، الكائنة بمدينة أولاد فايت بالجزائر العاصمة، على أن تتكفل هذه الشركة بدفع قيمة الضريبة وكذا القيام بفتح حساب بنكي باسمي على مستوى البنك الوطني الجزائري، وكالة زيغود يوسف. وهذا بغرض إيداع مبالغ مالية لفائدة الشركة “وسام بيجو”، على أن أحصل على مستحقاتي المالية نتيجة ذلك.
القاضي: واصل…
المتهم: فعلا سيدي الرئيس قمت باستخراج السجل التجاري باسمي وكذا فتح حساب بنكي، وتنقلت حوالي سبع مرات، من مدينة قسنطينة إلى العاصمة، وبالضبط إلى وكالة البنك الوطني الجزائري وقمت بالإمضاء على 10 فواتير، بمبالغ مالية معتبرة، لكن أجهل قيمتها أو مصدرها، كما كنت أنتقل في كل مرة رفقة عبد الرحمان وكمال وعمار إلى مقر الشركة الكائنة بأولاد فايت، أين كنت أمضي على وثائق تخص عمليات إيداع مبالغ مالية في البنك من حسابي الخاص إلى حساب آخر.
القاضي: هل تعرف أن الإمضاء كان يخص تحويل الأموال؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس، فقط بعد أن نقوم بالإمضاء على وثائق بالبنك، نركب سيارة تنتظرنا أمام باب البنك وتنقلنا إلى أولاد فايت، وهناك نمضي على فواتير.. وهذا ما كنت أعلمه فقط سيدي الرئيس.
القاضي: ما هي علاقتك بـ”م. كريم” وبلخير؟
المتهم: لا أعرفهما ولم ألتق بهما.
القاضي: بالنسبة للفواتير الوهمية المحررة لفائدة شركة “وسام بيجو”، وأنت أمضيت عليها، فهي تتعلق بـ15 فاتورة بقيمة مالية تقدر بـ451 مليون دينار من هو المستفيد منها؟
المتهم: أكيد يستفيد منها صاحب الفواتير.
القاضي: من كان يقوم بتحرير الفواتير؟
المتهم: المدعو كمال…
القاضي: مجموع الفاتورات التي أمضيت عليها تقدر بـ25 فاتورة وهمية؟
المتهم: هذا ليس صحيحا، هناك 7 أو 8 فاتورات فقط.
القاضي: ما هو المبلغ المالي الذي تتلقاه مقابل هذه المعاملات؟
المتهم: كنت أتلقى مبالغ مالية تتراوح من 6 و8 إلى 10 ملايين سنتيم نظير كل إمضاء على وثيقة، مع أنني لم أستلم أي بضاعة من مادة الذهب قصد شرائها أو بيعها، كما أنني أجهل مصدر أو سبب إيداع الأموال وتحويلها إلى حساب المدعو “م. كريم”.
القاضي: من كان يدفع لك؟
المتهم: عبد الرحمان.
القاضي: هل تعلمون أنكم تقومون بعمل غير قانوني؟
المتهم: لا أعرف سيدي القاضي.
القاضي يثور في وجه المتهم ويوجّه كلامه لجميع المتهمين قائلا: “الكل راقد في دارو والأموال تتهاطل عليكم.. نحن لا نتحدث عن مبالغ بسيطة بل عن مليار و660 مليون دينار”.