سبع سنوات سجنا لقاتل صديقه بعنابة

كانت الساعة تشير إلى العاشرة من صباح يوم 23 جويلية 2023، عندما رنّ الهاتف النقال لشقيق الضحية، وكان المتصل يستنجد بأخيه ويطلب منه الإسراع في القدوم إلى المنزل الذي يقيم فيه بحي 500 مسكن، في سيدي عمار بولاية عنابة، لأنه يشعر بقرب موته، بسبب الطعنات الغائرة والنزيف الحاد الذي تعرض له، بعد أن طاله اعتداء وحشي من شابين، ثم سقط الهاتف النقال من يده، وبقيت كلمات “آلو” من الشقيق المفجوع بحال أخيه، من دون رد، فسارع الأخ يجري نحو منزل أخيه، حيث بمجرد دخوله البيت المتواجد في الطابق الأرضي، حتى وجد أرضيته مغطاة بدماء أخيه، الذي تعرض لاعتداء بالسلاح الأبيض، وقد قاوم الاعتداء بشراسة بدليل أن الدماء كانت موجودة في كل مكان وفي كل غرف الشقة، حتى خارج المنزل، وهو ما لاحظه الجيران في صبيحة يوم الحادثة، واكتشف بعد ذلك بأن مشتبه فيها أيضا كان قد أصيب جراء مقاومة الضحية.
وخلال أسابيع التحقيق وتوقيف المشتبه فيه الرئيسي في القضية، تم إحالته للمحاكمة في محكمة الجنايات الابتدائية بمجلس قضاء عنابة، حيث اعترف بأنه كان على خلاف دائم مع الضحية وكثيرا ما يتشاجران، ولكنه تمسك بأنه لم يزهق روحه، وأدين مع بداية الدورة الجنائية السابقة في بداية شهر سبتمبر الماضي بالمؤبد بتهمة ارتكاب جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، قبل أن يطعن محامي المتهم بالنقض، والنيابة أيضا، فعقدت جلسة الاستئناف في الحكم نهاية الأسبوع الماضي.
الشهود على كثرتهم وأغلبهم من أقارب الضحية ومن جيرانه في المسكن الذي يستأجره ويقيم فيه لوحده، لم يقل أي منهم إن المتهم هو من قتل الضحية، وحتى شقيقة الضحية التي أمضت يومين مع شقيقها في قسم الإنعاش بالمؤسسة الاستشفائية العمومية “عمار قرين” بالحجار في ولاية عنابة، كان يحدّثها عن الغدر الذي تعرض له من طرف أصدقائه، وكيف هاجموه وهو نائم في بيته وطعنوه بوحشية من دون أن يسمّي الفاعل، كما أن شقيق الضحية اعترف بأن أخاه كان يتعاطى المخدرات، وقد أثّرت كثيرا في الفترة الأخيرة من حياته على صحته العصبية، فكان يعاني مرة بسبب حاجته للمخدرات وأخرى من أزمات صحية نفسية حادة، مع العلم أنه كان يقضي الليل في حراسة سيارات الحي الذي يقطن فيه ضمن حظيرة سيارات غير شرعية ولا يخلد للنوم إلا في الساعة السابعة أو الثامنة صباحا، كما كان الحال في صائفة 2023 التي شهدت مقتله، وفي اليوم الذي قرر الأشقاء، بحسب قولهم، نقل شقيقهم العشريني، للعيش معهم بدلا عن الشقة المستأجرة وحيدا هناك، وتفاهموا مع صاحب الشقة الأصلي، حدث ما لم يكن في الحسبان وهو مقتله.
الشهود من الجيران قالوا بأن اتصالهم صباح الثالث والعشرين من جويلية من السنة الماضية، بمصالح الأمن، لم يكن بسبب علمهم بالشجار الدامي بين الضحية ومهاجميه أو مهاجمه، وإنما بسبب بقع الدم التي ملأت مدخل العمارة، والتي اتضح مع مرور الساعات، بأنها دماء المتهم الذي تلقى هو أيضا طعنات من الضحية.
دفاع عن النفس
محامي المتهم، حاول نقل التهمة المتابع بها موكله من جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، إلى حالة دفاع عن النفس، لأن المتهم في قضية الحال قال بأنه كان متعوّدا على المبيت في شقة الضحية، نافيا أن يكون قد فكّر في قتل صديقه، الذي يعاني من إدمان المخدرات، على حسب قوله.
التقرير الطبي أكد بأن ما تلقاه الضحية من طعنات على مستوى كافة أنحاء الجسم، والنزيف الحاد الذي تعرض له هو سبب الوفاة، برغم إخضاعه إلى عمليتين جراحيتين مستعجلتين، ونقل للدم في المستشفى، خاصة أن نقله إلى مصلحة الاستعجالات بالمستشفى العمومي “عمار قرين” بالحجار، تأخر عن موعده بعدة ساعات من زمن الشجار الذي حدث صباحا إلى وصوله بعد عصر نفس اليوم إلى مستشفى الحجار، حيث توفي في الخامس والعشرين من شهر جويلية 2023.
أحد الشهود، وهو عامل بمحطة لنقل المسافرين، أشار إلى أن المتهم الذي لا يعرفه ولم يسبق وأن تعرف عليه، جاءه في يوم الحادثة وهو يصرخ، “تخلصت منه.. قتلته!” وثيابه مليئة بالدماء، فتعاون مع مواطنين لنقله إلى مستشفى “ابن رشد” الجامعي بعنابة، قبل أن يتم توقيفه، ومباشرة التحقيق معه من طرف مصالح الأمن وهو ما ألبس المشتبه فيه التهمة.
بعد سماع الشهود في محاكمة ماراتونية، والنيابة التي تحدثت عن أصدقاء السوء وعن تعاطي السموم بكل أنواعها والشجارات وحمل السلاح الأبيض غير المرخص به، أحيلت القضية على المداولة لدى هيئة المحكمة، حيث تم النطق بسبع سنوات سجنا في حق المتهم.