-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ستة محدّدات لتسويق انتخابي ناجح

د. عمر هارون
  • 222
  • 0
ستة محدّدات لتسويق انتخابي ناجح

في سنة ستُجرى فيها عبر العالم أكثر من 50 عملية انتخابية جلها رئاسي، يطفو إلى السطح مفهوم التسويق السياسي والذي ظهر بالشكل الحديث منذ خمسينيات القرن العشرين بالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الراديو والتلفزيون وتمحور حول صناعة صورة الرئيس لدى الناخبين وكان ذلك لأول مرة في حملة الرئيس ازنهاور في 1952، ليستمر كيندي ونيكسون على المنهاج نفسه ويطوّرا فيه خاصة ما تعلق بالمناظرات التلفزيونية التي كانت المحور الأساسي في العملية التسويقية.

كل ما كان قبل ذلك يمكن إدراجه ضمن مفهوم الدعاية السياسية، وكما هو معروف في أدبيات التسويق فالدعاية جزء من التسويق الذي يشمل مزيجا من أنشطة عديدة على غرار الخطاب، والسوق السياسي، والتمويل السياسي وغيرها من النقاط التي تندرج ضمن الاتصال السياسي والإعلان السياسي والعلاقات العامة السياسية التي أضحت من أهم الأدوات التي يتعامل بها السياسيون لصناعة القرار السياسي.

بين التسويق السياسي والانتخابي
إن الوصول إلى التسويق السياسي لا يكون إلا من خلال المزج بين مجموعة من العلوم الاجتماعية وعلى رأسها علم التسويق وعلم الاتصال والعلوم السياسية، وهذا ما أدى بهذا المجال إلى أن ينقسم إلى زوايا متضادة أحيانا، فبين الاقتصاديين الذين يرون أن التسويق السياسي لا يعدو أن يكون تسويقا لخدمة كونه يعتمد على العناصر ذاتها مع تغيير التسميات، فمقدم الخدمة هو المترشح ومتلقي الخدمة هو الناخب والخدمة المقدَّمة يتضمنها البرنامج الذي يحاول المرشح ترويجه وتقديمه وإقناع الناخبين به، وبين المؤيدين لكون الترويج السياسي هو عملية اتصالية بحتة بل هو تطور طبيعي للاتصال السياسي من خلال أدوات الاتصال التقليدية على غرار الراديو والتلفزيون والجرائد والملصقات أو الحديثة والمتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي والبودكاست والتسويق الفيروسي وغيرها، نجد أنصار التوجه الثالث يرون أن الترويج السياسي هو في الأساس ترويج انتخابي مرتبط بمجموع الأنشطة والخطوات والإجراءات والتي تهدف إلى التأثير في الرأي العامّ لتعظيم عدد المؤيدين لشخص أو حزب أو برنامج معين، مستعملين كل أدوات الاتصال الجماهيري المتاحة، وهي العمليات التي تنشئ أو تعزز العلاقة مع الناخبين لتمرير البرامج والتشريعات التي يفترض أن تعود على الناخبين بالنفع والفائدة.

كما هو معروف في أدبيات التسويق فالدعاية جزء من التسويق الذي يشمل مزيجا من أنشطة عديدة على غرار الخطاب، والسوق السياسي، والتمويل السياسي وغيرها من النقاط التي تندرج ضمن الاتصال السياسي والإعلان السياسي والعلاقات العامة السياسية التي أضحت من أهم الأدوات التي يتعامل بها السياسيون لصناعة القرار السياسي.

إن سبب هذا التوجه هو وضوح التوجهات العامة للتيارات السياسية في أمريكا وأوروبا، فأصبحت الأحزاب لا تحتاج إلى شرح أفكارها العامة وتوجهاتها الكبرى، فهو عمل تقوم به القاعدة، ومنه انحصر العمل في المجال السياسي عموما في التسويق الانتخابي لا التسويق السياسي، رغم أن هذا الأخير أشمل وأوسع، إلا أن أغلبية الانتخابات الحديثة تشهد تسويقا انتخابيا لا سياسيا نظرا لأن الناخب بحاجة إلى فهم أدوات العمل التي سينتهجها المرشح في تحقيق غايته ولا يهمّه أفكاره وتوجهاته العامة، ولهذا نجد أن أغلب الانتخابات التركية فاز بها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي في تركيا منذ 2002 رغم أن البلد علماني، ونشهد نجاحا كبيرا لأحزاب اليسار في فرنسا مؤخرا نظرا لأن حزب اليمين ركز في الانتخابات على التسويق السياسي القائم على فكرة طرد غير الفرنسيين، في حين أن خطاب اليسار ركز على كيفية تحسين حياة الشعب الفرنسي بكل أطيافه وأعراقه من خلال ترويج انتخابي بحت ففاز.
وعلى أبواب الانتخابات الأمريكية نجد أن الديمقراطيين والجمهوريين يركزون على التسويق الانتخابي من خلال برامج توضِّح كيفية إيجاد حلول للمشاكل المطروحة من بطالة وتضخّم وتراجع قيمة الدولار، وحين تيقّن الحزب الديمقراطي أن جون بايدن لا يخدم صورة الحزب في تلبية طموح المواطن الأمريكي جرى استبداله بنائبته كامالا هاريس، وهو ما يعني أن التسويق الانتخابي بات يطغى عن نظيره السياسي وأنه يستخدم مبادئ التسويق والاتصال لخدمة الحملة الانتخابية.

عناصر المزيج التسويقي الانتخابي الناجح
إن الوصول إلى التسويق الانتخابي الناجح يمر بتكوين مزيج متكامل يشمل كل العناصر الضرورة لنجاح هذه العملية، والأمر يتعلق هنا بـ06 عناصر تتمثل في:
1- صورة المرشح: إن بناء صورة المرشح لدى الناخب وتقديمه من خلال تاريخه، إنجازاته، إمكاناته، والكاريزما التي يملكها، هي من أهم العناصر التي تكوِّن عناصر التسويق الانتخابي، فالمرشح الذي يفي بوعوده ويتمالك نفسه في اللحظات الصعبة، ويحمل هموم وطنه ومستعد لتقديم النفس والنفيس من أجله هو مرشحٌ ممتاز، لكن كيف يمكن إيصال كل هذه المعاني بشكل مباشر أو غير مباشر للناخبين خاصة أن بقية المنافسين يمكن أن يستخدموا الأسلوب الهجومي، المقارن أو السلبي لتقديم صورة عكسية، وهو ما نستعمل لأجله أدوات كالاستبيانات، دراسات الحالة، الخطابات والحملات الإعلانية.
2- فريق الحملة الانتخابية: إن استعانة المرشح بفريق مختص في الاتصال والتواصل والتسويق والترويج ومستشارين في المجال القانوني والسياسي وحتى الأمني والعسكري في حالة الانتخابات الرئاسية يعتبر حتمية، خاصة أن زمن المستشار الواحد قد ولّى وحل محله العمل الجماعي الذي يكون فيه مجموعة من المستشارين والخبراء يديرهم من يمكن أن يسمى “كبير المستشارين”.
3- مركز إعلام واتصال: أصبح من الضروري والحتمي أن يملك المرشح مركز إعلام واتصال لتنسيق العمل في مختلف المنصات التقليدية والحديثة والعمل على بناء محتوى إعلامي متميز يليق بمكانة الناخب الحديث الذي أصبح لا يقبل أي صورة وأي فيديو.
4- بناء برنامج للمترشح: إن أهم ما يجب أن يمتلكه المرشح هو برنامج متكامل قادر على تغطية كل الجوانب التي تهم الناخب سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، كما يجب أن يلبي البرنامج طموحات الناخبين وآمالهم المستقبلية، وأن يشمل البرنامج الخطوط العريضة لطريقة تنفيذه، وهو ما يجعل المشرح أكثر إقناعا ويحسّن صورته أكثر.
5- خطة استقطاب وتنظيم: إن أي مرشح يعمل وفق أجنده ورؤية لا يمكن له المواصلة من دون متعاطفين يؤمنون بفكره وبرنامجه ويساندونه للوصول إلى هدفه للفوز في الاستحقاق الانتخابي، وهي عملية تحتاج إلى إستراتيجية واضحة في الاستقطاب وفي تسيير المتعاطفين والمؤمنين بالمرشح وفق خطة منهجية تحقق الأمثلية القصوى في التشغيل.
6- التمويل السياسي: تعدّ هذه النقطة واحدة من أهم النقاط التي تتعامل معها القوانين في كل دول العالم بصرامة كبيرة، لتأكيد نزاهة العملية الانتخابية، وتمويل الحملات الانتخابية يعدّ من أهم العناصر في المزيج التسويقي، ويكون ذلك من خلال الهِبات والأعطيات التي يقدّمها المناضلون والمتعاطفون من دون أن يكون للأمر أي مقابل مهما كان نوعه.

الكاريزما مفتاح كل نجاح
أكدت تجارب عديدة أن الكازيزما التي يتمتَّع بها السياسي هي واحدة من أهم العناصر التي تصنع الفائزين في الانتخابات خاصة الرئاسية منها، نظرا لأن الحشود عادة ما تؤمن بالزعيم وتثق في وعوده. إن هذا الأسلوب استطاع أن يحقق نتائج متميزة في تجارب عديدة، لأن الثقة في القائد واحدة من أهم المفاتيح التي تستطيع بها الأمم أن تحقق الازدهار والنمو، وهو ما يجعل العديد من الشعوب ترفض أن تحاول إلا إن ظهر القائد، مما جعل الديمقراطيات المتميزة في العالم تبني أنظمتها على المؤسسات لا على الأفراد، نظرا لديمومة المؤسسات واستمراريتها وعدم تعرضها للمشاكل البشرية، وتبحث عن القائد القادر على إلهام الشعوب لمرافق المؤسسات في بناء الدولة، وتحقّق هذين الشرطين قادر على إحداث وثبة إيجابية مهما بلغت ضراوة بقية المتغيرات الداخلية الإقليمية والدولية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!