ستورا: “مشروع فرنسا خسر عسكريا ودينيا في الجزائر”
اعتبر المؤرخ الفرنسي جزائري المولد، بنجامان ستورا، الاحتفال المميّز بالذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية، والذي رافقه عرض عسكري ضخم، مظهر من مظاهر صراع الذاكرة المتأجّج بين الجزائر والمستعمرة السابقة، فرنسا، التي تشهد العلاقات بينهما انتكاسة.
وبالنسبة للمؤرخ الفرنسي المختص في العلاقات بين الجزائر وباريس، فإن “الاحتفال بأول نوفمبر يعني بالنسبة لفرنسا بداية تاريخ تراجيدي (مأساة)، طبعه مغادرة نحو مليون أوروبي (الأقدام السوداء) الجزائر غداة الاستقلال في سنة 1962، وهو أمر صعب بالنسبة للفرنسيين لأنه أنهى حلم الجزائر فرنسية”.
أما بالنسبة للجزائريين، يضيف ستورا، فالأمر مختلف تماما، لأن الفاتح من نوفمبر يعتبر بداية لحرب انتهت بحصول الجزائر على استقلالها عن الاحتلال الفرنسي، وفق ما جاء في فيديو، وضع رابطه على حسابه في شبكة التواصل الاجتماعي “الفايس بوك”، الثلاثاء الخامس من نوفمبر الجاري.
ومن خلال التطورات التي تعيشها العلاقات الثنائية، وكذا الرسائل التي بعث بها الاحتفال المميّز بالذكرى السبعين لثورة نوفمبر، يعتقد رئيس لجنة المؤرخين المختلطة لبحث ملف الذاكرة من الجانب الفرنسي، أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى مصالحة بشأن الذاكرة المشتركة.
وبرّر بنجامان ستورا قناعته هذه، بكون “وجهات النظر في التعاطي مع المسألة مختلفة تماما. لذلك بالنسبة لي، ما ينبغي العمل من أجله هو بناء جسور أو عبّارات للتواصل كجسور مدينة الجسور قسنطينة، التي ولدت فيها، من أجل الحصول على تقدم، ولاسيما بالنسبة للشباب الجزائري الموجود في فرنسا”.
ويمضي الخبير في العلاقات الجزائرية – الفرنسية معلّقا على هذا الملف في ظل السياق الراهن، “ليس من الواقعي الحديث عن حلم الوصول إلى مصالحة للذاكرة، لأن 132 من الاحتلال هو أمر ليس بالهين. لا يمكن تحقيق ما نصبو إليه بمجرد خطاب أو لفتة أو إرادة سياسية، في ظل المطبات والعقبات على هذا الصعيد.. الأمر جد معقد”.
وسئل بنجامان ستورا عن البعد الإسلامي في الثورة التحريرية، فردّ مؤكدا بثقل هذا العامل، والذي تجسّد من خلال بيان أول نوفمبر 1954، الذي تحدث عن “بناء دولة ديمقراطية في إطار المبادئ الإسلامية”، غير أن البعد المتعلق بالحرية (التعدّدية) كان حاضرا بقوة أيضا، ويمكن الوقوف على ذلك، يقول ستورا، من خلال شخصيات مثل محمد بوضياف وحسين آيت أحمد.
كما توقف عند هوية الجزائر الإسلامية لمرحلة ما بعد الاستقلال وكذا مشروع المجتمع، مشيرا إلى أن الإسلام أصبح مرادفا للجزائر، لأن هناك مادة في الدستور تؤكد على أن “دين الدولة هو الإسلام”، الأمر الذي قاد أتباع ديانات أخرى مثل اليهودية والكاثوليكية (فرع من المسيحية)، للحديث عن وضع الأقليات غير المسلمة بعد استقلال الجزائر، وكان من بين الأسباب التي أدت بالكثير من هذه الأقليات إلى المغادرة بعد سنة 1962.
وبرأي المؤرخ، فإن الاحتلال الفرنسي لم يهزم عسكريا فحسب، بل انهزم أيضا دينيا، لأنه وفي الوقت الذي كان فيه الجيش الفرنسي يغزو الأراضي الجزائرية بقوة السلاح، كان الكاردينال لا فيجري يحمل لواء تنصير الجزائريين في محاولة لخلق مجتمع منسجم مع المشروع الفرنسي.
وقد تسبّب المشروع الفرنسي في التفاف الجزائريين حول هويتهم بقوة: “لقد أصبح الإسلام فضاء يتم اللجوء إليه من قبل الجزائريين في ظل الحرب الدينية التي سلّطت عليهم مع القمع الوحشي، فضلا عن العلاقة الموجودة بين الأرض والإسلام، أو الملكية الجماعية للأرض (أراضي الحبوس)، فنزع الملكية يقود إلى فقدان الهوية الدينية وحتى الاسم العائلي”.
ويخلص المؤرخ في الأخير إلى أنه من بين أسباب الخسارة الكبرى للمشروع الفرنسي الاستعماري في الجزائر، فشل مشروع بلوم فيوليت في سنة 1936 وعدم منح الجزائريين حق التصويت في الانتخابات.