سرطان الأطفال في الجزائر.. معركة التشخيص المبكّر!

يخوض آلاف الأطفال في الجزائر “معركة قاسية” ضد مرض السرطان، ورغم توفر العلاج وتقدّم أساليب الرعاية الصحية وإنشاء مراكز ووحدات علاجية متخصّصة، في إطار الجهود التي تبذلها الدولة لضمان تكفل طبي شامل بهذه الفئة، يبقى التشخيص المتأخر المشكل الأكبر أمام رفع نسب الشفاء، خاصة في ظل نقص الوعي الصحي وانتشار مفاهيم خاطئة حول طرق العلاج التي تعتمد عليها بعض العائلات، وتكون عواقبها وخيمة لاحقا بمضاعفة الإصابة بدلا من علاجها.
وفي السياق، أكدت مديرة برامج علاج الأطفال بالمديرية العامة للمصالح الصحية بوزارة الصحة، ياسف لامية لـ”الشروق”، أن الدولة تبذل جهودا كبيرة في مكافحة السرطان، خاصة لدى الأطفال، مشيرة إلى إنشاء 15 مركزا لمكافحة السرطان لحد الساعة، تتضمن وحدات علاج خاصة داخل مصالح طب الأطفال المنتشرة عبر التراب الوطني، في انتظار دخول مراكز أخرى حيز الخدمة قريبا، إلى جانب تعزيز المصالح الخاصة بالعلاج الكيماوي والإشعاعي عبر المستشفيات في عدة ولايات، وذلك في إطار مخطط يمتد حتى نهاية سنة 2026.
عائلات تلجأ إلى خلطات الأعشاب لعلاج السرطان
وأوضحت ياسف، أن الرهان الحالي الذي تسعى إليه الهيئات المختصة يتمثل في التشخيص المبكر للسرطان لدى الأطفال، مؤكدة أن أسباب الإصابة بالسرطان لدى البالغين غالبا ما يكون مرتبطا بعوامل تتعلق بنمط الحياة، في حين أن نسبة 10 بالمائة فقط من حالات سرطان الأطفال تعود إلى أسباب وراثية، بينما تبقى العوامل الأخرى غير معروفة حتى الآن.
وأعربت المتحدثة عن قلقها من لجوء بعض العائلات إلى العلاج بالأعشاب بدلا من التوجه إلى المستشفيات، مشيرة إلى أن هناك حالات تصل إلى المؤسسات الصحية في مراحل متقدمة من المرض بسبب الاعتماد على طرق علاج غير علمية، على غرار بعض المحاولات لعلاج سرطان العظام بالأعشاب، وهو ما وصفته بالأمر الخطير، كما شددت على أهمية التربية الصحية للأطفال ورفع الوعي الصحى لدى الأولياء من خلال تشجيعهم على تناول الغذاء الصحي، وممارسة الرياضة، والعيش في بيئة خالية من الملوثات التي قد تكون سببا في الإصابة بالسرطان في سن مبكّرة، كما أن 80 بالمائة من الأطفال المرضى بالسرطان يمكن شفاؤهم إذا تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة حسب ذات المتحدثة، خاصة أن السرطان يمكن أن يصيب الأطفال منذ الولادة وحتى سن 18 عاما.
تسجيل 1500 حالة سنويا والرقم مرشّح للارتفاع
وبالمقابل، كشف البروفيسور مصطفى خياطي، إلى أن سرطان الأطفال يمثل مشكلة صحية معقدة، خاصة وأن الأرقام المسجلة من قبل وزارة الصحة تشير إلى 1500 حالة سنويا، وهو رقم مرشح للارتفاع مستقبلا، خاصة مع التشخيص المتأخر في العديد من المناطق.
ورغم الاستثمارات التي تقوم بها الدولة في هذا المجال، يرى الدكتور خياطي أن التكفل بالمرضى بحاجة إلى تنسيق أكبر بين مختلف القطاعات والتخصّصات الطبية، مع ضرورة إعطاء الأولوية لاستقبال الأطفال المصابين في المناطق الجنوبية والمناطق النائية، حيث تعاني هذه الفئات من نقص في الخدمات الصحية المتخصّصة.
واقترح خياطي إنشاء مراكز متخصّصة حسب أنواع السرطان، بحيث يكون هناك مراكز متخصّصة في سرطانات الدم، نظرا لما يتطلبه هذا النوع من السرطان من إمكانات ضخمة، أما بالنسبة لأنواع السرطانات الأخرى، أشار المتحدث إلى أن التكفل بها قد يكون أسهل نوعا ما، كونها تعتمد على العلاج الإشعاعي والمضادات الحيوية، وهي علاجات لا تتطلب الكثير مقارنة بسرطانات الدم.
سرطان العين والعظام.. أمراض نادرة وشديدة الخطورة
من جهة أخرى، تطرق الدكتور خياطي بعض الأنواع الخطيرة من السرطان التي تصيب الأطفال بالجزائر، منها سرطان العين والعظام قائلا إن هذا الأخير يستدعي تكفلا طبيا دقيقا ومتكاملا، وأوضح أن المشكلة الأساسية في علاج هذا النوع من السرطان تكمن في التنسيق بين مختلف التخصصات الطبية، لاسيما بين جراحة العظام والعلاج الإشعاعي، وأردف المتحدث أن هذه الأنواع من السرطان تتميز بسرعتها الكبيرة في التطوّر خلال أسابيع قليلة، وتحتاج إلى تكثيف جهود التشخيص المبكّر مباشرة بعد الولادة، لأن التأخر في اكتشافها يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
معاناة نفسية تستمر حتى بعد الشفاء
وأكد مختصون، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته الهيئة الوطنية لترقية وحماية الطفولة، الاثنين بإقامة القضاة، بمناسبة اليوم العالمي لسرطان الأطفال، أن الآثار النفسية للأطفال المرضى لا تنتهي بالشفاء الجسدي، بل تظل ترافق الطفل لسنوات طويلة، ما يستدعي تكفل بسيكولوجي شامل لمساعدتهم على استرجاع التوازن النفسي والاجتماعي.
وأوضح المشاركون أن الطفل المصاب بالسرطان يواجه ضغوطا نفسية، بداية من الصدمة الأولى عند التشخيص، وحتى فترة العلاج التي ترافقها الآلام، وما بعد الشفاء، حيث تترسّخ لديه مشاعر الخوف، القلق، وحتى العزلة الاجتماعية و”الآثار النفسية”، إذ أن بعض الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية طويلة الأمد، وهو ما يستوجب، حسبهم، وضع برامج دعم نفسي مرافقة للعلاج الطبي، سواء من خلال الجلسات العلاجية الفردية أو الدعم الأسري، مع ضرورة إدماج الطفل المتعافي في المجتمع بطريقة تدريجية، عبر توفير بيئة مدرسية جيّدة، وتضمن تكفلا طبيا ونفسيا متكاملا للأطفال المصابين وعائلاتهم.