سعدان وعيبود وبن شيخ وآخرون يشيدون بخصال وإنجازات خالف

لا يزال الشارع الكروي الجزائري على وقع صدمة وفاة المدرب الوطني الأسبق محي الدين خالف، وهذا وسط إجماع أغلب المدربين والتقنيين واللاعبين السابقين على بصمة الفقيد في صنع أمجاد المنتخب الوطني وشبيبة القبائل، ما يجعله رمزا كبيرا في تاريخ الكرة الجزائرية بناء على مسيرته الطويلة والنوعية، والأثر الطيب الذي تركه في الثمانينيات والتسعينيات كمدرب، ناهيك عن مشواره كلاعب وخبير وظّف معارفه لخدمة الرياضيين بشكل عام.
يذهب الكثير من التقنيين إلى وصف وفاة المدرب الوطني الأسبق خالف محي الدين بالخسارة الكبيرة للكرة الجزائرية، خاصة وأنه ترك وراءه مشوارا حافلا بالإنجازات والألقاب. وحسب تصريحات الناخب الوطني الأسبق رابح سعدان، فقد وصف خالف محي الدين على أنه يعد رمزا كبيرا في تاريخ الكرة الجزائرية، مؤكدا أنه يعرفه عن قرب بحكم أنه زميل وصديق، وسبق لهما أن اشتغلا مع بعض، خاصة في كأس العام 1982، كما أشاد سعدان ببصمة المرحوم خالف في الكرة الجزائرية، في ظل تتويجاته وإنجازاته النوعية سواء مع المنتخب الوطني أو مع شبيبة القبائل التي اشتغل معها لمدة 13 سنة، وساهم، حسب سعدان، في جعلها واحدة من أقوى الأندية على مستوى إفريقيا، بناء على التتويجات المحلية والقارية التي كسبتها الشبيبة في فترة إشراف خالف على الفريق سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وفي السياق ذاته، أكد اللاعب الأسبق ميلود عيبود بأن خالف محي الدين يعد واحدا من المدربين الكبار الذين أنجبتهم الكرة الجزائرية، حيث قدّم الكثير للمنتخب الوطني وشبيبة القبائل، لكن حسب عيبود، فإن المرحوم خالف محي الدين لم يأخذ حقه وأحس، بحسب قوله، بالتهميش في السنوات الأخيرة، ما جعله يعيش في عزلة، مؤكدا أنهم لم يمنحوا له القيمة التي يستحقها بناء على مشواره كلاعب ومدرب كبير قدّم الكثير للكرة الجزائرية. من جانب آخر، فقد أشاد الدولي السابق علي بن شيخ هو الآخر بتاريخ وبصمة المحروم خالف رمحي الدين في مسار الكرة الجزائرية، مؤكدا أنه كان يحب عمله ويحرص على تقديم الأفضل، بدليل الإنجازات النوعية التي حققها مع المنتخب الوطني وشبيبة القبائل، مشيرا أن خلافاته السابقة بسبب عدم إشراكه في مباريات مونديال 82 تعد من الماضي، بدليل لقاءاته العديدة معه والتواصل الحاصل ميدانيا وعبر الهاتف، ما يؤكد حسب بن شيخ بان علاقته مع الفقيد خالف محي الدين جيدة متمنيا له الرحمة والسلوان. وفي السياق ذاته، أكد اللاعب السابق عبد الحكيم سرار أن الكرة الجزائرية فقدت عملاقا كبيرا من عمالقة كرة القدم، بناء على البصمة التي تركها في الوطن والخارج. وهو نفس الكلام الذي ذهب إليه اللاعب السابق محي الدين مفتاح الذي أوضح بأن التاريخ هو الذي سيتحدث عن مسار وانجازات وشخصية المرحوم خالف محي الدين، لأنه، حسب قوله، ترك بصمة راقية مع المنتخب الوطني وشبيبة القبائل على حد سواء، مؤكدا أن أبرز إنجازات شبيبة القبائل في السبعينيات والثمانينيات كانت بفضل خالف محي الدين وثمار الاستقرار طيلة تلك السنين.
ومعلوم، أن الفقيد محي الدين خالف يعد من أكثر التقنيين الجزائريين تتويجا على الصعيدين المحلي والقاري، وهذا بناء على مشواره المميّز مع المنتخب الوطني وشبيبة القبائل، حيث كان له تتويجان كلاعب، الأول مع أواسط نادي القنيطرة مطلع الستينيات، والثاني مع شبيبة القبائل مطلع السبعينيات، أما كمدرب فقد تعددت وتنوعت، منها 8 بطولات وطنية مع شبيبة القبائل، ولقبين آخرين في إطار كأس الجزائر، ناهيك عن لقب كأس إفريقيا للأندية البطولة عام 1981، وكذلك الكأس الإفريقية الممتازة في العام الموالي، ثم كأس “الكاف” مع شبيبة القبائل عام 2000. فيما ترك بصمته مع المنتخب الوطني بعدة محطات هامة، مثل احتلال الحصول على برونزية الألعاب المتوسطة نسخة 1979 بيوغوسلافيا، وتنشيط نهائي “كان 80” بنيجيريا، والمشاركة في كأس العالم 82 بإسبانيا والوصول إلى نصف النهائي في دورتي 82 و84 من منافسة كأس أمم إفريقيا.
سحق المغرب في الدار البيضاء وقهر ألمانيا في إسبانيا
محي الدين خالف ظاهرة التدريب الذي بدأ صغيرا وانسحب صغيرا
عندما انسحب أسطورة كرة القدم، والتدريب أيضا، رشيد مخلوفي عن قيادة “الخضر”، وهو الذي منح التشكيلة الوطنية أولى لقبيها بعد الاستقلال، بميدالية ذهبية في الألعاب المتوسطية 1975 أمام فرنسا، والميدالية الذهبية في الألعاب الإفريقية 1978 أمام نيجيريا، لم يجد المشرفون على الكرة، سوى الاستنجاد بمدرب شاب هو محي الدين خالف 35 سنة، ليقود ترسانة من اللاعبين غير المعروفين في المباراة التصفوية التأهيلية للألعاب الأولمبية في موسكو، غير مدرب شاب أبان عن كفاءة خاصة مع ناديه شبيبة القبائل وهو محي الدين خالف الذي اعتزل لعب كرة القدم وهو في ربيعه الثامن والعشرين، لأنه يعشق التدريب والقيادة، فقد كان لاعبا مدربا وقرر أن يقود أيضا كمدرب.
كانت المباراة التصفوية الأخيرة تبدو صعبة جدا أمام المغرب في أواخر سنة 1979، خاصة أن المباراة الأولى ستلعب في الملعب الكبير بمدينة الدار البيضاء، الذي كان يتسع لـ100 ألف متفرج، وكان زمن الظلم الذي تعرض له شعب الصحراء الغربية قد بلغ أربع سنوات فقط، ولم يجد الشعب الصحراوي من مدعم له سوى الجزائري، مما يعني أن المباراة ستلعب في أجواء عدائية بأمر من الملك السابق الحسن الثاني.
قام منتخب المغرب حينها باستدعاء نجوم شاركوا في مونديال 1970 في المكسيك، ومنهم الحارس فزاز وبن عسيلة وحتى أسطورة المغرب فراس، وبدأ الحديث عن سحق المنتخب الجزائري بما لا يقل عن خماسية كاملة، واحتشد في ملعب محمد الخامس ما لا يقل عن سبعين ألف متفرج بحسب الصحافة المغربية، ولعبت المباراة عصرا في يوم أحد، ولم يجد خالف سوى لاعبين شباب منهم بلومي وعصاد البالغين حينها من العمر 21 سنة، وخاصة تاج بن ساولة وكان غير معروف تماما، وكان حينها في الـ25 سنة من العمر.
قرأ المغاربة تشكيلة “الخضر” واسم مدربهم، واقتنعوا بأن الفوز الثقيل هو الذي سيتحقق على حساب الجزائر، ولكن مع مرور الدقائق الأولى وسط أجواء عدائية فعلا، بدأ الخضر يتنفسون، وسجل تاج بن ساولة هدفا أولا من عمل فردي، ثم توج المنتخب الجزائري لقطة “تيكي.تاكا” بديعة بهدف ثان من بن ساولة، ولكن المغاربة في نهاية الشوط الأول استفادوا من ضربة جزاء وسجلوها في مرمى المرحوم سرباح وظنوا بأنهم سيعودون في الشوط الثاني بقوة.
في المرحلة الثانية، أبان خالف عن مواهبه التكتيكية، فسجل بن ساولة هدفا ثالثا، وألحقه صالح عصاد برابع، وأكمل الخماسية غمري رضوان لاعب جمعية وهران، ولم يجد التسعين ألف متفرج من حل سوى التصفيق عل أشبال محي الدين خالف، الذي أكمل المهمة بسحق المنتخب المغربي في العاصمة الجزائرية في لقاء العودة بثلاثية نظيفة، وحتى لا ننسى فقد كان الرجل حينها في الخامسة والثلاثين ربيعا فقط، أي بعمر لاعبي الكرة.
وفي مونديال إسبانيا 1982 الذي يعتبر المونديال الذي جمع أشهر لاعبي الكرة في تاريخ كأس العالم، من مارادونا إلى زيكو إلى بلاتيني وأنتونيوني ورومينيغي وشيفو، كان محي الدين خالف أيضا أصغر مدرب في الـ38 سنة من العمر فقط، ومع ذلك أبرق مواهب تدريبية كان يمكن أن تثمن مستقبلا ليكون للجزائر مدرب عالمي، بكل ما تعنيه الكلمة، حيث يكفيه الفوز على ألمانيا الغربية، في مباراة لا تنسى بالنتيجة والأداء، ويبقى الهدف الثاني لرفقاء ماجر في مرمى ألمانيا بـ “تيكي.تاكا” قبل تمريرات برشلونة الشهيرة، في الأذهان، وفي أرشيف كرة القدم العالمية للأبد.
رحل محي الدين خالف وأخذ معه سر عدم مواصلته التدريب بنفس الزخم الذي بدأ به، فقبل سن الأربعين حقق لشبيبة القبائل ألقابا وطنية وإفريقية وعلى رأسها كأس الأندية البطلة الإفريقية، وللخضر نتائج كبيرة ومنها بلوغ ربع نهائي الألعاب الأولمبية، وهو ما لم يحققه أي مدرب آخر، ولكن الرجل بعد ذلك فضل الابتعاد عن الكرة معتبرا إياها هواية وليس حرفة، إلى أن غادرنا بعد أن ترك بصمة إبداع قوية.