-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سقط “الخميس” وبقيت “حماس”

سلطان بركاني
  • 1066
  • 0
سقط “الخميس” وبقيت “حماس”

في الأيام القليلة الماضية، أطلّ الداعية السلفي الكويتي المعروف عثمان الخميس على أمّة الإسلام بكلمات تقطر ظلما وعدوانا في حقّ خيرة رجال الأمّة في هذا الزّمان، رجال المقاومة والجهاد في أرض الرباط والعزّة غزّة، وصف فيها حركة المقاومة الإسلاميّة حماس بأنّها “منحرفة” تسلك طريقا سيئا! وردّد دعاوى الصهاينة وأوليائهم في التمييز بين حماس وشعب القطاع، بل وذهب إلى حدّ شرعنة محاولات القضاء على كتائب القسّام وإنهاء وجودها في غزّة وفلسطين كلّها!

كان يكفي الشيخ الخميس، موقفه المترهّل الذي انتشر مع بداية طوفان الأقصى، وبيّن فيه وجوب الوقوف مع “حماس” ضدّ الصّهاينة، مهما كان الخلاف الذي بيننا وبين حماس! لكن يبدو أنّ ذلك الموقف –على هشاشته واتكائه على منطق “نحن مع حماس لكن!”- قد أجّج على “ابن الخميس” نقمة المداخلة، ولا يُستبعد أن تكون بعض الأوساط السيادية الراعية لهذه الطائفة المستنفَرة قد أعربت له عن عدم رضاها عن كلامه، فاستغلّ ظهوره الأخير ليعيد صياغة كلامه بما يظنّه ينكأ حماس ويرضي تلك الجهات التي سبق له وأن كال لها المديح والإطراء غير مبال بحفلات العربدة التي أحيتها بالتزامن مع المجازر التي اقترفها الصهاينة في غزّة!

المفارقة أنّ كلمات “ابن الخميس” جاءت بالتزامن مع شهر الجهاد والفتوحات! وفرح بها الصهاينة، وتداولتها مواقعهم وأثنى عليها كتّابهم وسياسيوهم، حتى أعرب بعضهم عن امتنانه وحبّه للشيخ السلفيّ الذي طالما تمسّح بتتلمذه على الشّيخ العثيمين رحمه الله!

لسنا ندري –حقيقة- مكمن “الانحراف” الذي نسبه “ابن الخميس” لحماس؟ هل انحرفت في عقيدتها وهي التي طالما ردّد رجالها أنّهم على عقيدة الصحابة وجمهور سلف الأمّة؟ هل انحرفت في ولائها وهي التي تعقد الولاء لأمّة الإسلام وتحارب الصّهاينة؟

ربّما يرى “ابن الخميس” أنّ حماس “منحرفة” لأنّها لا تصدر في مواقفها عن فتاوى ونصائح العلماء الذين يريدون لها أن توادع الصهاينة وتكفّ عنهم، لعدم وجود العدّة؟! أو إنّها “منحرفة” لأنّها محسوبة على “الإخوان” الذين صدرت الأوامر “السامية” بالبراءة منهم؟! حماس لم تعقد أيّ ولاء على جماعة الإخوان ولم تمتحن بها أحدا، وكثير من قادتها الميدانيين وحتى السياسيين يختلفون مع الإخوان، لكنّهم يتعاملون معهم على أنّهم إخوة مسلمون لهم حقّ الولاء.

هل يرى “ابن الخميس” أنّ حماس “منحرفة”، لأنّها تستعين بإيران في حربها للصهاينة؟ فهل الاستعانة بغير الموافق في المذهب والمشرب محرّمة؟ وهل تناغمت حماس مع إيران في مذهبها وكلّ خياراتها؟ حماس ، ومنذ اضطرارها إلى قبول الدّعم الإيرانيّ بعد خذلان المحيط العربيّ لها، لم تغيّر شيئا في عقيدتها ولا في ثوابتها، ولم تسمح بنشر “التشيع” في أرض غزّة، وقد حاولت أكثر من مرّة أن تولّي وجهها شطر محيطها السنيّ، لكنّها في كلّ مرّة تفاجأ بأنّ المطلوب منها يصل إلى حدّ الاستغناء عن سلاحها!

ربّما نسي الشيخ الخميس وهو يمدّ يد الصلح للمداخلة الذين سبق لهم أن جرّحوه وحذّروا منه، حديث النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “إنّ الرّجلَ ليتكلَّم بالكلمةِ من سخط الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يكتبُ الله له بها سخطَه إلى يومِ يلقاه” (س.ص)، ومعلوم أنّ كلمة الحقّ إذا عُبّر عنها بأسلوب غير مناسب أو قيلت في الوقت أو الموضع غير المناسب، وكانت في صالح الباطل، كان قائلها آثما، لأنّه لم يقدّر العواقب؛ كيف لو كانت الكلمة باطلا وظلما لمسلم، والله يقول: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا))؟ كيف لو كان هذا المسلم مجاهدا في سبيل الله، ينوب عن الأمّة في الدّفاع عن دينها ومقدّساتها؟

الحقّ يقال إنّ التوجّه السلفيّ المعاصر، في عمومه –مع بعض الاستثناءات-، مبنيّ على احتكار الحقّ والحكم على الآخر، وأتباعه يرون أنّهم أصحاب العقيدة الصافية والمنهج الصافي، و”عوامّ” الأمّة لا ينبغي لهم أن تشرئبّ أعناقهم إلى طائفة أخرى غير “السلفية” ولا ينبغي أن تطلب الموقف الفصل في قضايا الأمّة من غيرها! و”حماس” قد تجاوزت المسموح به عندما أصبحت ملء سمع الأمّة وملء بصرها! ولذلك يظهر بين الحين والآخر من أتباع “السلفية المعاصرة” من يقول: “نحن هنا”، وأكثرهم تحفّظا لا يستطيع أن يعبّر عن موقفه من “حماس” من دون أن يستدعي “لكن وأخواتها”، فهو –مع اختلافه مع حماس- يقف معها ضدّ الصهاينة! وكأنّ وقوفه معها منّة عظيمة يهون معها كلّ تحفّظ! بينما الحقّ أنّ وقوفه معها هو شرف له، وتحفّظه إن كان حقا يفترض أن يلتمس له أوقاته ومضانّه، وإن كان باطلا فهو لن ينزل حماس من مكانتها التي نحسب أنّ الله قد بوّأها إياها.

نحن لا نتّهم “ابن الخميس” بأنّه تقصّد محاولة إسقاط “حماس” ودعم “الصهاينة”، ولكنّنا نشكّ في أنّه قصد أن يرضي قوما لا يرضيهم أن يلمع نجم حماس، ومع ذلك فهم –وإن استثمروا في كلامه- لن يرضوا عنه، ولأنّه لم يحسن اختيار كلماته ولم يقدّر عواقب موقفه، فقد سقط سقوطا مدويا، يصعب عليه أن يقوم بعده. وهذه عادة الله في الانتقام ممّن يؤذي أولياءه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!