وفي بيان أصدره البلاط السلطاني في عُمان في وقت مبكر من صباح هذا السبت، أعلن فيه وفاة السلطان قابوس بن سعيد.

كما أعلن البلاط الحداد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص مدة 3 أيام، وكذلك تنكيس الأعلام في الأيام الأربعين القادمة.

يحكم منذ عام 1970 إثر انقلاب

وستجرى صباح اليوم السبت مراسم رسمية لجنازة السلطان الراحل انطلاقا من قصر بيت البركة وحتى جامع السلطان الأكبر حيث يصلى عليه ثم يدفن في مقبرة الأسرة.

وحكم قابوس سلطنة عمان منذ العام 1970 بعدما تولى السلطة إثر انقلاب على والده السلطان السابق سعيد بن تيمور.

سرطان القولون..!

وكانت التكهنات حول صحة السلطان قابوس قد زادت الشهر الماضي بعد عودته من رحلة علاجية في بلجيكا بشكل أسرع مما كان مقررا ما اعطى الانطباع لدى البعض بأن حالته الصحية كانت متردية.

ووفق ما ذكرته شبكة بي بي سي، كان قابوس يعاني من الإصابة بسرطان القولون منذ العام 2014، ومنذ ذلك الحين قل ظهوره بشكل كبير وأناب عنه عدد من المسؤولين من أبناء عمومته لحضور المناسبات واللقاءات الهامة.

نص البيان:

“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي..

إلى أبناء الوطن العزيز في كلّ أرجائه، إلى الأمتين العربية والإسلامية وإلى العالم أجمع.. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وببالغ الحزن وجليل الأسى ممزوجين بالرضا التام والتسليم المطلق لأمر الله ينعي ديوان البلاط السلطاني المغفور له – بإذن الله تعالى – مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم الذي اختاره الله إلى جواره مساء يوم الجمعة بتاريخ الرابع عشر من جمادى الأولى لعام 1441 هـ الموافق العاشر من يناير لعام 2020 م بعد نهضة شامخة أرساها خلال خمسين عاماً منذ أن تقلّد زمام الحكم في الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1970 م وبعد مسيرةٍ حكيمةٍ مظفرةٍ حافلةٍ بالعطاء شملت عُمان من أقصاها إلى أقصاها، وطالت العالم العربي والإسلامي والدولي قاطبة، وأسفرت عن سياسةٍ متزنةٍ وقف لها العالم أجمع إجلالاً واحترامًا”.
وتابع البيان: “إذّ يُعلنُ ديوان البلاط السلطاني الحداد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص لمدة ثلاثة أيام، وتنكيس الأعلام في الأيام الأربعين القادمة ليدعو الله – جلت قدرته – أن يجزي جلالته خير الجزاء ، وأن يتغمده بالرحمة الواسعة والمغفرة الحسنة ، وأن يسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحَسُنَ أولئك رفيقا ، وأن يلهمنا جميعا الصبر والسلوان وحُسن العزاء ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، ويوقنُ به عباده الصابرون المحتسبون الراضون بقضاء الله وقدره وإرادته (إنا لله وإنا إليه راجعون)”.

من هو السلطان «قابوس» ومن هو وريثه؟

في 18 من نوفمبر 1940، وُلد «قابوس بن سعيد» في عاصمة الجمال العُماني، مدينة صلالة بمحافظة ظفار، لأسرة حاكمة يعود أصلها في حكم البلاد إلى 1741 على يد الإمام أحمد بن سعيد.

وفي سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا 1970، حدثت فوضى بالبلاد ومحاولة للانقلاب، من خلال تمرد مسلح قاده البعض في محافظة ظفار، احتجاجا على تخلف البلاد في عهد السلطان «سعيد بن تيمور» والد قابوس، وهو ما نجح قابوس في احتوائه، وتولى شؤون البلاد، ومنذ ذلك الحين اقترن اسم قابوس بلقب «السلطان».

ودرس «قابوس» في أكاديمية «ساندهرست» البريطانية وهو في العشرينيات من عمره، حيث أمضى فيها عامين و هي المدة المقررة للتدريب درس خـلالها العلوم العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية آنذاك لمدة ستة أشهر، مارسَ خلالها العمل العسكري.

وعاد قابوس بعدها إلى المملكة المتحدة، حيث تلقى تدريباً في أسلوب الإدارة بالحكومة المحلية، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة. ثم عاد إلى البلاد عام 1964، بعد جولة حول العالم استغرقت 3 أشهر، زار خلالها العديد من دول العالم، واختار محل ميلاده محلا لإقامته، في مدينة صلالة.

ليس له أولاد فمن يخلفه؟

وتزوج قابوس لفترة قصيرة، لم ينجب خلالها أي أبناء وهو ما أدى إلى وجود غموض في مسألة خلافته، وهو السلطان التاسع والحكام الثاني عشر لأسرة آل بوسعيد، وكان الابن الوحيد لوالده المتوفى عام 1972، بعد عامين من تنازله لابنه عن الحكم.

وتسلم «قابوس» زمام الأمور ولم يكن في عُمان متعلمون سوى أقل من الثلث، أما 66% من الشعب فكانوا أميين. تزايدت على يديه بفضل اهتمامه بإنشائها وإفساح المجال للجامعات وتحفيز أبناء عُمان من خلال الجوائز التشجيعية.

وكان الاقتصاد في حالة يُرثى لها، إذ كانت عُمان من أفقر الدول بالمنطقة العربية رغم ما تتمتع به من موارد طبيعية غنية، وكان الناتج المحلي العماني 256 مليون دولار، في العام الذي تولى فيه الحكم، لكنه اليوم في العام الذي يغادر فيه الحكم، يصل إلى 80 مليار دولار.

على المستوى السياسي، حافظ السلطان قابوس، بطريقة عجيبة، على الهدوء التام، وموقف الحياد تجاه كل الأزمات في المنطقة كثيرة الصراعات والمشكلات والمعسكرات، وهو ما أهله للعب دورٍ مهم بالاتفاق النووي بين إيران والغرب، الذي وُقع في 2015، لكن مباحثاته السرية جرت في سلطنة عمان بين إيرانيين وأميركيين عام 2012.

مواقف ومفاجآت..

وفي الأزمة الخليجية لم يختر جهة السعودية والإمارات كما فعلت البحرين، ولم يختر جهة قطر، ولم يقف على الحياد ككما فعلت الكويت، وإنما اختار زاوية بعيدة تماما عن المشهد، تنأى به عن الصراع برمته بين الأشقاء.

وفي الربيع العربي، طالت نسماته عمان كأي بلدٍ غيرها، ولو بمجرد مظاهرات محدودة، لكنها نجح في تجاوز المرحلة بسكون تام، دون اللجوء إلى المواجهة المباشرة أو غير المباشرة كما جرى في البلدان الأخرى كافة.

وفي سياق علاقة مسقط مع الاحتلال الإسرائيلي، فشهدت ما لم تشهده عاصمة عربية أخرى بهذا الوضوح، حين استقبل رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو» وزوجته «سارة»، في أول زيارة رسمية لشخصية رفيعة المستوى، إلى عاصمة عربية، مع التعامل معها بهذا القدر من الجرأة وتسليط الضوء عليها من قبَل الإعلام العماني قبل أن يكون الإعلام العربي، وهو ما أثار الكثير من الشكوك والأسئلة.

وأصيب قابوس بمرضٍ ثقيل، عام 2014، خرج على إثره إلى رحلة علاجية استغرقت ثمانية أشهر، إذ امتدت من يوليو 2014 إلى مارس 2015، لكنها رغم طولها لم تكن كافيةً لإعفاء السلطان من وعكات متتابعة فيما بعد.

ما هو السر الذي تركه في مظروف مغلق؟!

وأثارت قضية مرضه الشديد بالأيام الأخيرة الرأي العام في الوطنين العربي والإسلامي، حيث تساءل الجميع عن وريثه في حال موته، وهو ليس له أي أبناء، وعلى الجهة الأخرى فإن 85 شخصا من عائلته لهم الحق، بالتساوي، في وراثة حكمه.

لكنه لم يترك هذا الأمر مجهولا، فحدد ثلاثة أيام كملهة للأسرة الحاكمة للاجتماع وتحديد وريثه للحكم بالشورى بينهم، وفي حال لم يتوصلوا إلى اتفاق، فإنه ترك مظروفا مغلقا في أماكن متفرقة من البلاد يحوي الاسم الذي اقترحه كوريث له، يفتح حين تتطلب الأمور ذلك.

المصدر: الشروق أونلاين / وكالات