-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سميحة أيوب.. كان من المقرر تكريمها في مهرجان دولي بأدرار ولكنها رحلت

محمود بن شعبان
  • 2462
  • 0
سميحة أيوب.. كان من المقرر تكريمها في مهرجان دولي بأدرار ولكنها رحلت

ودّع الوسط الفني والثقافي العربي، يوم الثلاثاء، بمصر، سيدة المسرح العربي، الفنانة القديرة سميحة أيوب، التي رحلت عن عالمنا، تاركة خلفها إرثاً مسرحياً وسينمائياً وتلفزيونياً لا يُقدّر بثمن، بعد أن صنعت لنفسها اسما أكثر من مجرد فنانة، بل رمزٌ لعصر، وصوت لامرأة عصية على النسيان، وصدى خشبة ظلت تنبض بالحياة لطالما وقفت عليها.

سميحة أيوب: مسيرة نُسجت على خشبة المسرح

ولدت سميحة أيوب في حي شبرا بالقاهرة في مصر عام 1932، وسرعان ما انجذبت إلى الفن، لتلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتتخرج منه عام 1952، تحت إشراف أساتذة كبار مثل زكي طليمات ويوسف وهبي، لم تكن بداياتها سهلة، لكن موهبتها الفريدة وصدق أدائها جعلا منها اسمًا لامعًا في زمن قياسي، فمنذ أن بدأت خطواتها الأولى في معهد التمثيل، أدرك الجميع أن شيئاً استثنائياً يولد، اذ لم تكن سميحة أيوب مجرد ممثلة تُجيد حفظ النصوص، بل كانت مشروعاً فنياً وإنسانياً قائماً بذاته، هي التي ألهبت المشاعر في “الفتى مهران”، وجسّدت بحنكة لا تضاهى دور الأم القوية والزوجة المعذبة والمناضلة الصامتة.

عبر أكثر من سبعة عقود من العطاء، وقفت الراحلة في وجه السطحية، ودافعت عن الفن الحقيقي، وساهمت في تكوين وعي مسرحي لدى جمهورٍ تعلّم من ملامحها كيف يكون الصدق على الخشبة، وكيف تكون الكلمة موقفًا، تنوعت أعمالها طوال مسيرتها، بين المسرح، التلفزيون، السينما، إلا أن الخشبة بقيت عشقها الأول، الذي أبدعت فيه من خلال 170  مسرحية منها “سكة السلامة” مع سعد الدين وهبة، “السلطان الحائر” من تأليف توفيق الحكيم، “رجل في القلعة”، “دماء على أستار الكعبة”، “السبنسة”، “الوزير العاشق”، “الندم”، “فيدرا”، كما قامت بإخراج العديد من الأعمال المسرحية أبرزها “مقالب عطية”، أما في التلفزيون فقد تألقت الراحلة سميحة أيوب في الكثير من الأفلام السينمائية على غرار “أرض النفاق” 1968، “شاطئ الغرام” 1950، “فجر الإسلام” 1971، “المتشردة” 1947، “ناهد” 1952، “بياعة الورد” 1959، “جفت الأمطار” 1967، “تيتة رهيبة” 2012، “الليلة الكبيرة” 2015، “ليلة العيد” 2024، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من  المسلسلات التلفزيونية أبرزها “عذراء مكة” 1961، “الضحية” 1964، “سيداتي آنساتي” 1970، “نقطة الضعف” 1978، “طيور بلا أجنحة”، “المتهمة” 1980، “محمد رسول الله” 1985، “سلمى يا سلامة”، “عفوا هذا حقي” 2000، “قصص بوليسية” 2008، “سقوط الخلافة” 2010، “أوراق التوت” 2015، “سكر زيادة” 2020، “انحراف” 2022، “حضرة العمدة” في 2023.

إضافة إلى مسارها الفني الطويل كممثلة في المسرح والسينما والتلفزيون، أدارت الراحلة سميحة أيوب المسرح القومي المصري لمدة 14 عاما بين 1975 و1989، كما تقلدت الرئاسة الشرفية لمهرجان شرم الشيخ لمسرح الشباب

زياراتها إلى الجزائر: علاقة خاصة بالشعب والثقافة

عرفت الجزائر الفنانة سميحة أيوب عن قرب، من خلال مشاركتها في فعاليات مسرحية وثقافية مختلفة، كانت زيارتها للجزائر دائمًا حدثًا فنيًا وإعلاميًا بارزًا، حيث استقبلها الجمهور الجزائري بمحبة كبيرة، تقديرًا لما تمثله من قامة فنية عربية أصيلة، كما سجلت حضورها في الدورات الأولى للمهرجان الوطني للمسرح المحترف الذي تولى إدارته آنذاك الفنان الجزائري الراحل أمحمد بن قطاف، وتم تكريمها، حيث ألقت كلمة مؤثرة عن دور المسرح في ربط الشعوب العربية، كما أكدت في لقاءاتها الصحفية بالجزائر على إعجابها بالحركة المسرحية الجزائرية وتاريخها المقاوم قائلة: “الجزائر بيتي الثاني، وجمهورها يعطيني طاقة أستمد منها حب الحياة والفن.”

وظلت علاقة الراحلة سميحة أيوب وطيدة مع الأجيال الجديدة من مبدعي الفن الرابع في الجزائر، حيث كان من المنتظر تكريمها في الدورة الثانية للمهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بأدرار التي كانت ستنظم نهاية السنة الفارطة، وتأجلت الى ديسمبر المقبل، حسب ما كشف عنه محافظ المهرجان عقباوي الشيخ لـ”الشروق”، إلا أن الأجل كان سباقا.

فقدان لا يُعوّض

برحيل القديرة سميحة أيوب، يُطوى فصلٌ نادر من فصول المسرح العربي، وتخفتُ أنوار كانت تضيء ما هو أعمق من الخشبة، ففقدت الساحة الثقافية العربية قامة فنية شاهقة، وامرأة صلبة لم تنحنِ رغم عواصف العمر، كان حضورها وحده كافياً لرفع قيمة أي عمل، وصوتها وحده قادراً على احتلال الفضاء من دون صخب، لكن رغم الغياب الجسدي، ستبقى سميحة أيوب حيّة في وجدان الأجيال، في تسجيلات مسرحية ما زالت تُدرّس، وفي كلمات ألقتها على الخشبة وما زالت تتردّد كأنها قيلت بالأمس، فكل مسرح عربي يبكي سميحة أيوب التي تعلمت منها الأجيال، ووقفت احتراماً لثباتها وكرامتها الفنية، فكانت قدوة لنساء الفن، ومدرسةً في الالتزام، وصورةً للمرأة العربية المثقفة، القوية، النبيلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!