سيخبرون الله بكلّ شيء!

معاناة قلّ أن تعرف البشرية لها نظيرا، تلك التي يعيشها اللاّجئون السّوريون في الأردن ولبنان هذه الأيام، على إثر العاصفة الثلجية التي ضربت عددا من بلدان شرقي المتوسّط، وتوفّي خلالها عدد من النّازحين، ولم يجد من بقي منهم على قيد الحياة مأوًى ولا وطاءً، ولا طعاما ولا غطاءً.
كان بين المتوفّين طفلة عمرها 10 سنوات، وطفل عمره 6 سنوات، ورضيعة عمرها 3 أشهر، رحلوا إلى ربّهم في مخيّمات اللاجئين السّوريين في لبنان، بسبب البرد القارس، وهم يرْثون حال أمّة شغل حكّامها وشغلت وسائل إعلامها بعدّ الإنجازات الكرتونية خلال العام المنصرم 2014م، وبتقديم أخلص التّعازي للفرنسيين في مصاب الصّحيفة السّاخرة “شارلي إيبدو”، وبرصد أسعار النّفط التي حبست أنفاس كثير من المسؤولين الذين لم يعيروا قبل هذا أيّ اهتمام للسّوريين وهم يصرخون: “لو كان أطفالنا ينزفون نفطا لسارعتم إلى إنقاذهم!”
أوصالٌ ترجف ودمعات تسيل وحناجر تكاد تتشقّق من الصّراخ، وأصوات بحّت لكثرة النّداءات والاستغاثات التي رفعت إلى أمّة المليار ونصف المليار من دون فائدة.
رحل أطفال سوريا الذين قضوا في العاصفة الأخيرة، كما رحل قبلهم أكثر من 7 آلاف طفل سوريّ؛ رحلوا وفي نفوسهم لوعة وحسرة على أمّة الإسلام لا تطفئها بحار الدّنيا؛ رحلوا ليخبروا العليم الخبير سبحانه بالحال التي آلت إليها أمّة الشّهادة، وليشْكو إليه إعراض إخوانهم المسلمين الذين جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم عن سماع صرخاتهم وأنّاتهم.
سيخبر أطفال سوريا ربّهم ـ وهو العليم سبحانه ـ أنّ بعض إخوانهم السّوريين في مخيمات اللاّجئين قد اضطروا إلى أكل أوراق الشّجر لمقاومة الجوع، بل إنّ عشرات منهم قد فاضت أرواحهم إلى بارئها في بعض المخيّمات بسبب الجوع القاتل، كان بينهم شيخ كبير قتله الجوع، وُجد جثّة هامدة قد التصق جلده بعظامه النّحيلة، وقد ربط على بطنه حبلا لمقاومة وطأة القاتل الصّامت. هكذا يموت شيوخ وأطفال سوريا في وقت انشغلت فيه بعض دول المسلمين بإغداق الملايين على اللاعبين والفنانين والمغنين، وعلى اللهث خلف تحقيق الأرقام القياسية في تفاهات وسفاسف الأمور.
قبل أيام قليلة من العاصفة الأخيرة التي بلي بها إخواننا المسلمون في لبنان والأردن وسوريا وفلسطين، كانت دولة مسلمة هي دولة الإمارات أنفقت ما يقارب نصف مليار دولار على احتفالات رأس السّنة، وهو المبلغ الذي يتعدّى 3 أضعاف المبلغ الذي تنفقه دولة أوروبية مثل ألمانيا على الاحتفالات نفسها!
لقد أخبر نبيّ الهدى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أمّته بقصّة امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، ليقرع أسماع المسلمين بعِظم جرم من يكون بتقاعسه وتهاونه سببا في موت حيوان، فكيف بإنسان؟ بل كيف بطفل مسلم بريء؟ ودخل ـ صلوات ربّي وسلامه عليه ـ يوما بستانا فلمّا رآه بعيرٌ دمعت عيناه، فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لصاحبه: “إنّه شكا إليّ أنك تجوّعه وتتعبه”، انتصر نبيّ الرّحمة ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لبعير مظلوم، فليت شعري كيف سيكون مقام عبادٍ لله بين يدي العدل سبحانه وهم الذين ما فتئوا يَخذلون المسلمين ويسْلمونهم للجلادين والجزّارين، ويضربون صفحا عن مآسيهم التي لان لها الحجر.
كيف سيكون موقف المسلمين بين يدي الله يوم يسألهم عن أطفال فلسطين وسوريا، وعن أبرياء العراق ومالي والصّومال، وعن إخوانهم الذين قطّعت أوصالهم في إفريقيا الوسطى، وإخوانهم الذين أحرقوا أحياء في بورما، وعن أخواتهم المسلمات اللاتي يصرخن في المسلمين يطلبن النّجدة ممّا يتعرّضن له من قتل واغتصاب وإهانات لا قبل لنساء المسلمين بها.
إنّه ابتلاء عظيم يمرّ به إخواننا المسلمون في بقاع شتى من هذا العالم، ولكنّ الابتلاء الأعظم هو ما نمرّ به نحن المسلمين الذين نعيش الدّعَة والرّاحة ونتقلّب في نعم الله بكرة وعشيا، ابتلاء لنا هل ستتحرّك قلوبنا لمصاب إخواننا وأخواتنا فنتوب إلى الله ونعود إلى ديننا ونهجر الشهوات والملهيات؟ أم إنّنا سنبقى مصرّين على غفلتنا حتى يحيق بنا ما حاق بهم؟ يقول نبيّ المرحمة ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته”.. نسأل الله السّلامة والعافية، ونسأله سبحانه الفرج لإخواننا المسلمين في كلّ مكان.