-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بحجج صعوبة التمويل والخوف من ردود الفعل

شاشات التلفزيون تقبر الأعمال الدينية والتاريخية

محمود بن شعبان
  • 2211
  • 0
شاشات التلفزيون تقبر الأعمال الدينية والتاريخية

أجمع مختصون في المشهد الثقافي، على اتجاه صناع الدراما التلفزيونية إلى إنتاج أعمال تحاكي الواقع، نظرا لاستقطابها الواسع للجمهور، وتناول قضايا تهمه بشكل مباشر، مشيرين إلى أن القنوات التلفزيونية تسعى خاصة خلال الموسم الرمضاني إلى تحقيق نسب مشاهدة عالية، لجذب الممولين وأصحاب الشركات الاقتصادية وزيادة الأرباح التي تحققها الأعمال الدرامية والكوميدية مقارنة مع الأعمال التاريخية والدينية.

السيناريست عبد الهادي بلغيث:
الأعمال التاريخية والدينية تعزز الهوية الوطنية والوعي بالتاريخ الجزائري لدى الأجيال

يمثل إنتاج الأعمال الدرامية التاريخية والدينية في الموسم الرمضاني، بحسب السيناريست عبد الهادي بلغيث، ضرورة ملحة لتعزيز الهوية الوطنية وتعميق الوعي بالتاريخ الجزائري لدى الأجيال الصاعدة، فمن خلال هذه الأعمال، يتم تقديم صورة حية للتراث الثقافي والديني الغني للجزائر، وإبراز القيم والمبادئ التي تشكل أساس المجتمع الجزائري، كما تساهم في تعزيز الانتماء الوطني لدى الأفراد، وتعميق فهمهم لتاريخهم المشترك، مما يقوي الروابط الاجتماعية ويعزز الوحدة الوطنية.

وتلعب الأعمال الدرامية التاريخية والدينية بحسب بلغيث، دورًا هامًا في توجيه الشباب نحو القيم الإيجابية وتعزيز الأخلاق الحميدة وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول التاريخ والدين، كما أنها تساهم في تقديم نماذج ملهمة من الشخصيات التاريخية والدينية، التي يمكن أن يحتذي بها الشباب في حياتهم، وبالتالي يتطلب إنتاج الأعمال الدرامية التاريخية والدينية توخي أقصى درجات الحذر والتدقيق، نظراً لطبيعة هذه الأعمال التي تتناول مواضيع حساسة تمس المعتقدات الدينية والقيم التاريخية للمجتمعات، ويُعدّ التعامل بإهمال مع هذه المواضيع بمثابة تجاوز غير مقبول، إذ قد يؤدي إلى إثارة ردود فعل سلبية واسعة النطاق، وتأجيج التوترات المجتمعية، كما اكد بلغيث على ضرورة التزام صناع هذه الأعمال بمجموعة من الضوابط والمعايير، والتي تشمل إجراء أبحاث تاريخية ودينية معمقة، والاستعانة بمؤرخين وعلماء دين متخصصين، وتجنب أي تحريف أو تزوير للحقائق التاريخية أو الدينية، ومراعاة القيم والعادات والتقاليد المجتمعية، كما يجب الحرص على تقديم الشخصيات التاريخية والدينية بصورة متوازنة، وتجنب أي إساءة أو تشويه لسمعتها، فالالتزام بهذه الضوابط والمعايير لا يضمن فقط تجنب إثارة الجدل، بل يساهم أيضاً في إنتاج أعمال فنية عالية الجودة، تثري المشهد الثقافي، وتساهم في تعزيز الوعي التاريخي والديني لدى الجمهور.

وتتسم الأعمال الدرامية التلفزيونية الراهنة، بحسب بلغيث، بأنها أكثر مرونة من الأعمال التاريخية والدينية، حيث يمكن لصناع الدراما تعديلها وتطويرها لتناسب أذواق الجمهور المتغيرة، كما أنها لا تخضع لنفس القيود والضوابط التي تخضع لها الأعمال التاريخية والدينية، مما يتيح لصناع الدراما حرية أكبر في الإبداع والتعبير، مشيرا إلى أن عملية البحث عن المادة التاريخية لصناعة الأعمال الدرامية تواجه تحديات جمة، حيث يعاني كتاب السيناريو من نقص المصادر الموثوقة وتضارب الرؤى، مما يجعل عملية التوثيق الدقيق تحديًا كبيرًا، ويتطلب التعامل مع هذه التحديات منهجية بحثية دقيقة، تعتمد على المصادر الأولية المتنوعة، وتقوم على التحليل النقدي للمعلومات التاريخية، وتجنب الانحيازات الأيديولوجية والسياسية، كما يتطلب الأمر التعاون مع مؤرخين وعلماء متخصصين لضمان دقة المعلومات التاريخية المقدمة في العمل الفني.

المخرج عبد الرؤوف بن أحمد:
الجزائر وتاريخها المنسي.. سردية حضارية تبحث عن بصمة في زمن العولمة

أكد المخرج عبد الرؤوف بن أحمد للشروق، أن التاريخ الجزائري يمتلك زخمًا دراميًا يُضاهي أعظم الملاحم العالمية، لكونه مسرحًا لصراعات غيّرت مصائر الإمبراطوريات، وملاحم إنسانية جمعت بين البطولة والتراجيديا من حروب يوغرطة النوميدي، الذي حوّل جبال الأوراس إلى قلعةٍ ضد روما، إلى أساطيل الرايس حميدو التي جعلت من البحر المتوسط بحيرةً جزائرية، وصولًا إلى دماء مليون ونصف المليون شهيدٍ سقطوا في ثورة التحرير، إلا أن هذه القصص بحسبه، ظلت حبيسة الكتب الأكاديمية، بينما تستهلك الأجيال روايات الآخرين عن تاريخهم عبر مسلسلات تركية أو أمريكية.

وأوضح بن أحمد أن إنتاج مسلسل تاريخي يتناول محطات بارزة من تاريخ الجزائر يتطلب ميزانية تتفاوت وفق مستوى الإنتاج والجودة المستهدفة، في حال كان المسلسل بمستوى إنتاج متوسط، شبيهًا بالأعمال التاريخية العربية السابقة، فقد تتراوح تكلفة الحلقة الواحدة بين 100.000 و500.000 دولار، كما هي الحال في مسلسلات مثل عمر وممالك النار، حيث بلغت تكلفة الحلقة الواحدة نحو 200.000 دولار، أما إذا كان الهدف إنتاج عمل تاريخي ضخم بمواصفات عالمية، مثل صراع العروش أو السلطان عبد الحميد، فقد تصل تكلفة الحلقة إلى 1 مليون وحتى 5 ملايين دولار، نظرًا لحجم الإنتاج الضخم الذي يتطلبه من حيث الديكورات، المؤثرات البصرية، والأجور المرتفعة للنجوم المشاركين، مشيرا إلى أن التكلفة النهائية تعتمد على عدة عوامل رئيسية، أبرزها الديكورات والأزياء، حيث إن بناء مدن تاريخية أو قصور مماثلة لتلك التي تميّزت بها الجزائر في حقبها المختلفة يتطلب استثمارات ضخمة، تمامًا كما حدث في قيامة أرطغرل، الذي شهد بناء قرية كاملة من الصفر، إضافةً إلى ذلك، فإن المواقع التصويرية تلعب دورًا محوريًا، إذ يتطلب التصوير في مواقع أثرية حقيقية الحصول على تصاريح مكلفة، فضلًا عن الحاجة إلى إجراءات صيانة للحفاظ على المعالم الأثرية، كما هو الحال في مواقع التصوير الشهيرة في مصر، تركيا، والأردن.

وأضاف المخرج عبد الرؤوف بن احمد، أن التكلفة المادية ليست العائق الوحيد، فصناعة عملٍ تاريخي عن الإيالة الجزائرية مثلًا يتطلب بناء سفنٍ خشبية ضخمة كتلك التي هزمت الأساطيل الأوروبية، أو إعادة تشييد قصور تلمسان الزيانية التي كانت منافسةً لغرناطة، لكن الجزائر تفتقر إلى الاستوديوهات المجهزة وخبرات المؤثرات البصرية التي حوّلت مسلسلًا مثل صراع العروش إلى ظاهرة عالمية، والأكثر إيلامًا أن مواقع مثل جميلة الرومانية أو قلعة بني حماد، المُدرجة في قوائم اليونسكو، تظل مجرد خلفياتٍ لصور السياح، بدلًا من أن تكون ديكوراتٍ لأعمال فنية تروي قصص من سكنوها، وبالتالي، فإن الخسارة هنا ليست ثقافية فحسب، بل اقتصادية أيضا، ففي الوقت الذي حقّقت فيه كرواتيا 2.5 مليار دولار من سياحة  Game of Thrones، لا تتجاوز عائدات الجزائر السياحية 500 مليون دولار سنويًا رغم إمكاناتها، مشيرا إلى أنه لو أُنتج مسلسل عن الأمير عبد القادر، القائد الذي جمع بين التصوف والمقاومة، لتحوّلت قلعته في الغرب الجزائري إلى مزارٍ عالمي، كما حدث لقلاع الأناضول بعد نجاح قيامة أرطغرل، فالتاريخ الجزائري ليس مجرد سردٍ للماضي، بل هو رافدٌ للاقتصاد لو عُرض بلغة الفن، فكل دولار يُستثمر في الصناعة الإبداعية يولّد سبعة دولارات في القطاعات المرتبطة، وفقًا لجامعة هارفارد.

ورغم أن إنتاج الأعمال التاريخية والدينية يعد استثمارًا ثقافيًا واقتصاديًا مهمًا، إلا أنه محفوف بالمخاطر، نظرًا لارتفاع التكلفة وعدم وجود ضمانات بتحقيق نجاح جماهيري واسع، فالكثير من الأعمال التاريخية فشلت رغم ضخامة إنتاجها، مما أدى إلى خسائر فادحة، كما أن المنافسة مع الأعمال الترفيهية الخفيفة، التي تجذب جمهورًا أوسع، تجعل النجاح أكثر تحديًا، والأهم من ذلك، أن تناول موضوعات تاريخية دقيقة قد يُثير الجدل، خصوصًا إذا تداخلت القضايا الدينية أو الهوياتية في الرواية الدرامية، وبالمقابل، فإن الجزائر لا تحتاج إلى مجرد أموال، بل إلى رؤيةٍ فنية مميزة لسرد تاريخها سواء فيما تعلق بمعاناتها من الاستعمار أو العشرية السوداء وضم تاريخها لأول دولة أمازيغية موحّدة، وقادة بحرٍ هزموا أمريكا الناشئة، وثورةً ألهمت حركات التحرر من فيتنام إلى جنوب إفريقيا، فهذه الروايات لا يُمكن أن يرويها إلا فنانون جزائريون، يعيدون اكتشاف شخصيات مثل ماسينيسا، الذي وحّد شمال إفريقيا قبل ألفي عام، أو لالا فاطمة نسومر، التي حوّلت جبال القبائل إلى جحيمٍ للمستعمر الفرنسي، خاصة وان الجزائر تمتلك كل المقومات لصناعة هذه النهضة من مواقع أثرية تصلح لديكورات طبيعية، وتنوع مناخي يسمح بتصوير الصحاري والجبال والسواحل في مكانٍ واحد، وشبابٌ عاشق للفنون ينتظر فرصةً لتحويل التاريخ إلى مهنة، كل ما يحتاجونه هو مشروعٌ وطنيٌّ يتبنّى تدريب كوادر متخصصة في الكتابة التاريخية وبناء استوديوهاتٍ تضاهي تلك الموجودة في إسطنبول أو لوس أنجلوس، ويشجع شراكاتٍ مع منصاتٍ عالمية مثل نتفليكس، التي قدّمت تاريخ الهند في الملكة الهندية، فالعالم اليوم تعلم من نجاح تركيا وكوريا الجنوبية أن التاريخ سلاحٌ في معركة الهوية والاقتصاد، والجزائر، التي حرّرت أرضها بالبارود، قادرةٌ اليوم على تحرير تاريخها بالكاميرا، فكل حلقةٍ تُنتج عن ماضيها ليست مجرد تسلية، بل هي رسالةٌ للعالم بأن هذه الأرض أنجبت أبطالًا صنعوا الملاحم، وسيُولد منهم مَن يروونها، وبالتالي فإن صناعة مسلسل تاريخي او ديني جزائري ضخم يتطلب رؤية واضحة، واستراتيجية إنتاجية تجمع بين الدقة التاريخية والجاذبية الفنية، إلى جانب تسويق فعّال لضمان تحقيق العائد المطلوب على الاستثمار.

السيناريست منال مسعودي:
المخرجون الجزائريون يرفضون المجازفة بإنتاج المسلسلات الدينية لقلة الإثارة فيها

أوضحت كاتبة السيناريو، منال مسعودي للشروق، أن الأعمال التاريخية والدينية، قد عرفت في السنوات الأخيرة تراجعا في الرواج على المستوى العربي ككل وليس الجزائر فحسب، فمسلسل الحشاشين لم يحقق النجاح المفترض خاصة في المغرب العربي على الأقل وليس عربيا، نفس الشيء بالنسبة للمسلسلات الدينية، التي لم تصبح مرغوبة ربما لنوعية المواضيع التي يتم التطرق لها أو ربما لكيفية الطرح والتجسيد.

وأرجعت منال مسعودي الأسباب التي تمنع من تجسيد عمل تاريخي ثوري كان او خياليا إلى عائق التمويل، في عصر أصبح فيه التصوير يعتمد على تكنولوجيا متطورة، فمثلا الأفلام الثورية تحتاج إلى مشاهد قوية تحتاج بنفسها الى تمويل بشري ومادي خاصة فيما يخص المؤثرات البصرية الغير متاحة والتي لا يتم الاعتماد عليها والافتقار إليها في الساحة الجزائرية، ما يدفع إلى استيراد التقنيين من أوروبا أو غيرها، وهذا ما أثر أيضا على المسلسلات التلفزيونية التي يتم تصويرها خلال ثلاثة أشهر قبل رمضان وهذا ما يرفع التكاليف للمنتج ويصعب مهمة إنتاج مشروع ضخم، إما بالنسبة للمسلسلات الدينية، فرغم وجودها المحتشم، إلا أنها لا تلقى نفس الاهتمام إخراجا ولا كتابة، إذ يصر الكثير من الكتاب (في التاريخ والدين) على المثالية في الطرح ومثالية الشخصية ومثالية الأحداث والمبالغة في تقديم الحياة الفاضلة خوفا من الوقوع في الجدل والنقد، مما يجعلها خالية من التعقيد ويفقدها جاذبيتها ويمنع الإبداع الفني الذي من شأنه جذب المتلقي، وهذا ما يعد خطأ شائعا ومكررا يجعل أي عمل محدودا مثل الفيلم السينمائي الذي أصبح محدودا في إطار التوثيق وبعيدا عن الدراما، كما أكدت منال مسعودي أن ذلك لا يرجع لانعدام السيناريوهات الموجودة بكثرة في الجزائر البلد القارة الذي يمتلك ألاف المواهب التي تنتظر دورها في طابور طويل.

وأكدت منال مسعودي ان التمويل حاليا هو ابرز الصعوبات التي تواجه إنتاج المسلسلات التاريخية والدينية لتقديمها في أفضل صورة احتراما للتاريخ وللدين، إضافة إلى انعدام الكفاءات التي تختار السيناريوهات، مشيرة إلى أن كتاب السيناريو يجدون أنفسهم أمام لجان قراءة اقل مستوى وقد لا تعي حجم العمل الإبداعي الذي يقدمونه، داعية الجهات المختصة إلى ضرورة الحرص على اقتناء السيناريوهات الجيدة التي تليق بالتاريخ الجزائري خاصة، بدل تكرار الأسماء سينمائيا وتلفزيونيا والتي تحظى بأعمال سنويا، دون أن تتكرم في المبادرة لتقديم أي عمل ديني أو تاريخي، وبالتالي، وجب فرض هذا النوع من الأعمال حتى يعم التنوع.

وكشفت منال مسعودي أن اغلب المخرجين الجزائريين يرفضون المجازفة والخوض في تجارب إنتاجية في المسلسلات الدينية لقلة الإثارة فيها، كما يتهرب المنتجون من هذه الإنتاجات بسبب التمويل المحدود والبسيط الذي يخصص لهذا النوع من الأعمال مما يجعل يمنعه من اختيار سيناريو لائق أو بلوغ نجاح كبير، فيما أكدت مسعودي، أن الدراما القوية كفيلة بأن تجعل أي عمل سواء كان تاريخيا أم دينيا أم اجتماعيا ناجحا إذا توفر على عناصر بناء درامي قوية مثلما حققه المسلسل الديني “يوسف” الذي حقق مشاهدات عالمية وترجم لعدة لغات، والكثير من المسلسلات التاريخية التي لا تعد ولا تحصى والتي لقيت رواجا ونجاحا عالميا، وبالتالي، فإن الحل يكمن في رؤية إخراجية جريئة لتقديم قصص واقعية وعميقة تحترم التاريخ والدين دون الوقوع في فخ التكرار والمبالغة والمثالية المفرطة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!