شرطا النهضة عند الشيخ عدون
الشيخ سعيد شريفي (عدون) أحد علماء الجزائر المعاصرين، خاصة في علم النحو، بارك الله – عز وجل- في عمره، فجاوز القرن، حيث ولد في القرارة – من ولاية غرداية- في عام 1902 وأتاه اليقين في 2004، أي عاشر قرنا وحولين، فكان في تقدير عارفيه ممن شملهم حديث المصطفى – عليه الصلاة والسلام- القائل: “خيركم من طال عمره وحسن عمله”. ونشهد بما علمنا أنه عاش فعّالا للخير، دالا عليه، آمرا به، لم يصبه كلل، ولم يوهنه ملل.
كان رحمه الله متين الإيمان، داعيا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، شديد التعلق بالإسلام، لا يرى غيره ماسكا الجزائريين، موحدا بينهم، جامعا لكلمتهم، عاصما لهم من الفتن، صادق الوطنية يتذهب بالمذهب الإباضي، محترما للمذهب المالكي وغيره من المذاهب الإسلامية، معتبرا أنها “مدارس اجتهادية”، شأنه في ذلك شأن الإمام عبد الحميد ابن باديس الذي كان يردد مقولة تدل على سداد فكر وبعد نظر، وعميق فقه، وهي: “لو أن في الجزائر جميع المذاهب الإسلامية لوسعتها جمعية العلماء”.
وقف الشيخ عدون نفسه على العمل ضمن الحكمة الإصلاحية التي كان يقودها في الجنوب الإمام إبراهيم بيوض، ومن أهم منجزاتها “معهد الحياة” الذي بلغ القرن، وقد قدّر الإمام بيوض إمكانيات الشيخ عدون فعهد إليه بالإشراف على هذا المشروع، فقام الشيخ عدون بما عهد به إليه بإخلاص، وسيّره بحزم وعزم، وقد سمعنا شهادات من تتلمذوا في المعهد أو عملوا تحت قيادة الشيخ، فكانت كلها إشادة واعتراف بما قدّمه.. والدليل على ذلك ما كان يردده الإمام بيوض عندما يحدث ما يدعو إلى إحداث تغييرات، أو تعيين أناس جدد، كان الإمام بيوض يقول لهم “غيّروا من شئتم إلا الشيخ عدون”، فقد كان “دينامو” معهد الحياة.
وأما المشروع الثاني الذي أبلى فيه الشيخ عدون شبابه، وأفنى فيه زهرة حياته فهو – في رأي- وقوفه إلى جانب المجاهد أبي اليقظان، وكانت الكلمة تكتب في جريدة من جرائد الشيخ تفلى فليا من طرف الصليبيين الفرنسيين، وكم تعرض الشيخ أبو اليقظان أو مساعدوه إلى بطش الفرنسيين، ولكنهم صبروا، وصابروا، ورابطوا وما بدّلوا تبديلا.. وقد أكرمهما الله – رحل- فأراهما ما كان كثير من الناس يراه مستحيلا أو بعيدا، وهو استرجاع الجزائر لحريتها، وطرد عدوّها فرنسا..
أحسنت صنعا “جمعية التراث” في غرداية، فقامت بجمع ما كتبه الشيخ عدون في جرائد أبي اليقظان الثماني، وفي غيرها.
لقد استفدت كثيرا وأنا أقرأ تلك المقالات المتميزة بالفكر العميق، والأسلوب الأنيق والهدف الأسمى وهو خدمة الإسلام، ولسانه البليغ، وهذا الوطن المفدى شعبا، وأرضا..
ومما أعجبني مما قرأت قول “الشاب عدون” في جريدة “وادي ميزاب” في 1/7/1927: “الأمة لا تنهض إلا إذا كانت عامرة الجيب والراس”، ولن يعمر الجيب إلا بالضرب في الأرض، ولن يعمر الرأس إلا بالعلم النافع، فما هو حظ شعبنا من هذين وهو يردد “اللي قرا، قرا بكري”، و”راقدة وتمانجي”.