شوارب “مادورو”.. وليزر “ماسك”!
قرّر الرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو” يوم الخميس الماضي تعليق عمل شبكة “تويتر” ببلاده عدة أيام لأنها انتهكت التشريعات الفنزويلية عدة مرات، فردّ عليه مالك شبكة تويتر “إيلون ماسك” قائلا: “سنحرق شواربك من الفضاء”! وبرغم ما قيل عن هذه العبارة كونها مازحة، إلا إنّ دلالاتها عميقة لمن أراد أن يتدبر:
– أولا تشير إلى مدى اعتداد الغرب بالتكنولوجيا التي يملك…
في ستينيات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخيف الرئيس المصري جمال عبد الناصر بأنها تستطيع معرفة عنوان الجريدة التي يقرؤها في شرفته صباحا عبر الأقمار الاصطناعية، واليوم أصبح بإمكان ملياردير واحد الزعم بإمكانية حرق شوارب رئيس دولة بأشعة ليزر من الفضاء! وكلاهما كان يبعث برسالة لقادة الجنوب مفادها أنكم لن تستطيعوا فعل أي شيء بشواربكم “رمز الرجولة” ما دمنا نحن نتحكم في أرقى أنواع التكنولوجيا: الأقمار الاصطناعية التقليدية في ستينيات القرن الماضي وكل الفضاء اليوم.!
يملك “إيلون ماسك” وحده نحو 50% من شبكة الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الكرة الأرضية أو ما يعرف بشبكة “ستارلينك” التي تتحكّم في الاتصالات وتستخدم أيضا لأغراض أخرى (في حرب أوكرانيا وفي العدوان على غزة اليوم)، ولا تنفصل سياستها عن سياسة أكبر الدول الغربية في السعي للحفاظ على الهيمنة على العالم وتهديد من يحاول الخروج عن طوعها بالانقلاب أو الفوضى… وقد سماها الرئيس مادورو “إمبراطورية التجسس العالمية ناشرة الفتنة والفاشية في بلده التي تجب محاربتها”، ولذلك، جاء التهديد بحرق شواربه!
ثانيا: تدفعنا هذه العبارة إلى طرح سؤال مركزي عن مستقبلنا كشعوب ودول من الجنوب في ظل هذه الهيمنة الكبرى للدول المالكة للتكنولوجيا المتقدمة غربا أو شرقا، ليس فقط على الصناعة والاقتصاد إنما على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة التي ما فتئت تكشف عن خطورتها الكبيرة على أمننا واستقرارنا بل على وجودنا ذاته من حيث التماسك الاجتماعي والسياسي والقيمي.. أي على بقائنا… مسألة أكثر من خطيرة ينبغي أن تطرح اليوم وبإلحاح شديد وأن تعطى لها الأولوية القصوى..
فالذي أغضب “ماسك” من تعليق شبكته أياما معدودات في فنزويلا، سيغضب “مارك زوكربيرغ” مالك “الفايس بوك” وسيغضب “نشانغ يي مين” مالك “التيك توك” الصيني، أي أنهم جميعا سيهدّدون من يعارضهم بحرق شواربهم ومن الفضاء!
والغريب أننا غير مكترثين بهذا الأمر، نعتقد أن هذه الشبكات جاءت لتحرّرنا، وأحيانا يدافع البعض عنها وكأنها أوكسجين الحياة، هبة من الغرب لنا، سخرها لخدمتنا مجانا… بدل التفكير على الأقل في إيجاد بدائل لها وطنيا أو إقليميا أو قارّيا…
تقوم بذلك الصين وروسيا وقريبا دول أخرى. بداية بإيجاد البديل المحلي وبعدها الانتقال إلى العالمية..
إلى متى نبقى مستسلمين للآخر، ننتظره ليهدّد بحرق ما بقي لنا من رمز للرجولة: “شواربنا”؟