صفقات مشبوهة لحافلات المسافات الطويلة مع المطاعم
يأكلون مجّانا، ويحملون معهم أكياس الفاكهة عند المغادرة، بل ويطلبون حتى السجائر والفليكسي و”دراهم اليد” من صاحب المطعم، والمقابل تأمين أكثر من 50 زبونا للمطعم ولو بالقوة، إنهم بعض ساقة الحافلات للخطوط الطويلة، والذين يتفقون أو يبتزون أصحاب المطاعم، في سلوك خطير مسكوت عنه، رغم انتشاره وعلى نطاق واسع. وكثير من المسافرين وأصحاب المطاعم يشتكون من الظاهرة، ولكن ولا جهة رسمية تحرّكت لردع المتورطين.
اسأل أي مسافر عبر حافلات الخطوط الطويلة، عن المطعم الذي يتناول فيه وجبة غدائه أو عشائه أثناء سفره، فالجواب غالبا يكون “سائق الحافلة يجبرنا على النزول في المطعم الذي يختاره، بعد ما يهددنا بعدم التوقف في أي مكان آخر، فلا خيار أمامنا غير النزول”.
عندما فتحنا هذا الموضوع، وحاولنا استطلاع رأي بعض المسافرين المتعودين على السفر عبر الخطوط الطويلة، سمعنا الكثير من القصص حول تصرفات بعض السائقين… “جمال” من ولاية جيجل موظف بالعاصمة يزور عائلته مرة واحدة شهريا، وحسب تعبيره “كثير من المسافرين يُجبَرون أثناء السفر على تناول غدائهم في المكان الذي يختاره السائق والقابض، حتى ولو رفضتَ النزول يُهددانك بعدم التوقف في مكان آخر”.
ويؤكد محدثنا، أن غالبية المطاعم التي يتوقف عندها الساقة، تتعمّد رفع أسعارها عندما يتعلق الأمر بالمسافرين عبر الحافلات، “فالطبق الذي يقدر ثمنه مثلا بـ150 دج، يُحتسب للمسافر النازل من الحافلة بـ250 دج”، كما يقدمون له أطباقا إضافية لم يطلبها على غرار السلطة، ويطلبون ثمنها، ومقابل هذه الأرباح التي يجنيها صاحب المطعم، يستفيد السائق الذي يُؤمن أكثر من 50 زبونا دفعة واحدة من مزايا عديدة، فزيادة على تناوله الطعام الذي يشتهي ومجانا، أكد لنا أصحاب مطاعم يتواجدون على طريق بوسعادة – بسكرة، تحدثنا معهم ورفضوا الإفصاح عن هويتهم، أن بعض السائقين يطلبون عند انتهائهم من الأكل، كيسا مليئا بالفاكهة، وقارورتيْ ماء وعصير وحتى التبغ، “حتى أن البعض يتجرّأ ويطلب منك فليكسي بين 1000 و2000دج ليتواصل مع صاحب المطعم…!!”.
ولأن “جمال” يرفض الخضوع لابتزاز السائقين، فهو يحضر معه دائما “كسْرة وحبات تمر أو قارورة لبن”، رافضا النزول من الحافلة عندما ينزل جميع المسافرين، ويأكل في مقعده.
“راني مسؤول عليكم ونعرف صلاحكم”
مُسافرة أخرى تقطن بالصحراء، ولأنها تُعاني من “فوبيا” الطائرة، تضطر في كل سفريّة لركوب الحافلات، وحسب روايتها “في كثير من المرات يجبرنا سائق الحافلة المتجهة نحو تيميمون أو غرداية، خاصة ليلا على النزول في مطعم يختاره، معددا لنا مزاياه، من أنه محترم ونظيف وأسعاره مناسبة…”، ولأن كثيرا من المسافرين يرفضون النزول، مفضلين شراء وجبات باردة من المحلات، يثور السائق قائلا “لن أتوقف في مكان آخر…”.
ومن أطرف ما أخبرتنا به، أنه في كثير من المرات وعندما ينزلون لشراء أكل من المحلات، مخالفين رغبة السائق، يتفاجأون به يحاول الانطلاق بحافلته بمجرد انهاء غدائه، تاركا إياهم خلفه، في أسلوب استفزازي وتهديدي لهم. أما ساقة آخرون فيبررون للمسافرين إصرارهم على بعض المطاعم بالقول “راني مسؤول عليكم، ونعرف صْلاحكم..!!”.
سائق أجرة يُجبر مسافرة على شراء قارورة ماء
وحتى بعض سائقي سيارات الأجرة يقدمون على مثل هذه التصرفات…”ليليا”، موظفة بالعاصمة تنحدر من ولاية قسنطينة، في آخر سفرية لها أكدت أن سائق الطاكسي توقف أمام مطعم بمنطقة “الياشير”، ودعا المسافرين للنزول، “ليليا” رفضت النزول، لأنها لم تكن جائعة رغم إصرار السائق، لتتفاجأ به يحضر لها قارورة ماء ويطلب مبلغ 50 دج، فرفضتْ أخذ الماء، لأنها لم تطلبه، وهو السلوك الذي استفز السائق وجعله “يشنَّف عليها” حسب تعبيرها، كما رفض أن ينزل لها حقيبتها الثقيلة عندما وصلت العاصمة.
ومن أغرب ما سمعناه، أن أصحاب المطاعم “المتمردين” على سائقي الحافلات، والرافضين التعامل معهم، يتعرضون لـحملة “مقاطعة “، حيث يتّفق غالبية السائقين للخط نفسه، على عدم التوقف أمام المطاعم “المتمردة” في عملية عقابية لها.
صاحب مطعم: أرفض التعامل مع السائقين هربا من ابتزازهم
“كمال” صاحب مطعم على طريق بسكرة، هو واحد من الرّافضين للتعامل مع سائقي الحافلات، ومبرره “الرّزق على ربي”، وأضاف “إذا سمحتُ للسائق ومعاونيه بأكل – سْتاك والكبْدة – مجانا، سيطالب عمال المطعم بدورهم بالأكل نفسه ومجانا”.
وعن الطريقة التي يستعملها السائق لعقد اتفاقيات مع أصحاب مطاعم، قال “يدخل السائق للمطعم، وعندما يأكل ما يشتهي، يتوجه نحو الصندوق ويقول لصاحب المطعم أنا سائق..”!! البعض يرد عليه “غداؤك مجاني وأحضِر لي المرة المقبلة جميع المسافرين، أما آخرون فيطلبون منه تسديد الثمن، رافضين التعامل معه خوفا من تعرضهم للابتزاز مُستقبلا”، وينفي محدثنا تعرضه لمشاكل مع السائقين عندما رفض التعامل معهم.
رئيس الإتحاد الوطني للناقلين الخواص عبد القادر
بوشريط: هي تصرفات معزولة وأدعو المسافرين للتبليغ عنها
وفي الموضوع، أكد رئيس الإتحاد الوطني للناقلين الخواص، بوشريط في تصريح لـ”الشروق”، أن مثل هذه التصرفات هي “معزولة وفردية”، اذ لا يمكن – حسب تعبيره- أن يُجبر سائق الحافلة المسافرين على النزول في مطعم يرفضونه، كما لا يوجد قانون أو مادة في دفتر الشروط تسمح للسّائق بإجبار المُسافر على ذلك، ومضيفا “اذا أصر السائق على إنزالهم في مكان يرفضونه، ما عليهم إلا الرفض جميعا”.
وأكد بوشريط أن السائق يستفيد من منحة الأكل من طرف رب عمله، وإذا سمح له صاحب المطعم بالأكل المجاني “فهذا أمر يخص السائق نفسه وصاحب المطعم، ولكن على المسافرين الذين يتعرضون للتهديد أو الابتزاز من طرف السائق، أن يقدموا شكاوى لاتحادية الناقلين أو مديريات النقل لردع المُتورِّطين”، مطالبا في الوقت نفسه تدخل وزارة التجارة لمراقبة ما وصفه بـ”الأسعار الخيالية والمبالغ فيها” المُطبقة في المطاعم المُستقبلة للمسافرين.
مصطفى زبدي:
لا حرج في تعاقد الناقلين مع المطاعم
اعتبر رئيس المنظمة الوطنية لحماية المُستهلك، مصطفى زبدي، أنّ الامتيازات التي يحصل عليها عادة بعض سائقي الحافلات للخطوط الطويلة من طرف أصحاب مطاعم “لا حرج فيها، إذا كان السائق يؤمن زبائن وبرضاهم للمطعم، إذ هي تعتبر خدمة يقدمها السائق”، لكن وفي حالة كان المطعم يقدم خدمات رديئة وبأسعار مبالغ فيها، فهُنا لا يُجوز إرغام المُسافر على دخول المطعم.
ويؤكد زبدي “أن المسافر حر في المكان الذي يريد تناول غدائه فيه والسائق ملزم بانتظاره، ولكن شرط عدم إرغام السائق على التوقف في أي مكان يريده المسافرون، فهنا ستكون حالة فوضى داخل الحافلة، لأن السائق يتوقف مرة واحدة فقط”.
ولم تتلق الجمعية أي شكوى من المسافرين أو حتى السائقين وأصحاب مطاعم في هذا الموضوع، بحسب تأكيد محدثنا.
وزارة التجارة:
نحن نراقب النوعية ولا تعنينا الأسعار
إلى ذلك، أكّد لنا مصدر من وزارة التجارة، أن المطاعم التي يقصدها المسافرون، تخضع للمراقبة الدورية من طرف مديريات التجارة، ولكن “نحن نراقب نوعية وصلاحية الأكل المقدم، وأيضا التزام معايير النظافة، أما الأسعار فهي حرة لا نتدخل فيها، لأن وزارة التجارة تراقب الأسعار المقننة فقط”.
وللقضاء على غلاء الأسعار بهذه المطاعم، يقول مصدرنا “ما على المستهلك إلا المقاطعة، والتوجه نحو مطاعم مُناسبة من حيث الأسعار”.
رئيس الاتحاد الوطني لسائقي سيارات الأجرة زرناجي محمد:
سائقو سيارات الأجرة يدفعون نصف ثمن الوجبات
ومن جهة أخرى، أكد رئيس الاتحاد الوطني لسائقي سيارات الأجرة زرناجي محمد، في اتصال مع “الشروق”، أن خطوط المناطق الغربية لا تعرف مثل هذه الظواهر، لوجود نقاط توقف معلومة للسائقين، خاصة لسيارات الأجرة، وحسبه “أبدا، لا نفرض على المسافر مطعما معينا، فمثلا بالجهة الغربية نتوقف بمنطقة وادي الفضة، والتي تضم مطاعم ومحلات المواد الغذائية وأيضا بائعي الفاكهة، وكل مسافر حر فيما يريد تناوله”.
ودعا زرناجي كل مسافر تعرض لابتزاز من سائق سيارة الأجرة، أن يأخذ رقم السيارة، ثم يقدم شكوى لاتحادية السائقين، “ونحن سنستدعي المخالف، ونعاقبه بالطريقة المناسبة، حتى لا يتمادى في أفعاله”.
ويتأسف محدثنا، كون كثير من المسافرين يمتنعون عن ايداع شكاوى بالسائقين المخالفين، تحت مبرر “عندو وليدات، نقطعلو رزقو… بل يجب أن يعاقب ليكون عبرة لغيره” يقول محدثنا.
ليكشف لنا، أن غالبية سائقي الأجرة يسددون نصف ثمن الوجبة بالمطاعم، حيث صار الأمر تقليدا وليس ابتزازا.