صلة أم تواصل؟
بالرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تعرف في البداية انتشارا واسعا في الجزائر بالمقارنة مع بعض الدول العربية الأخرى بسبب ضعف تدفق الانترنت، إلا أنها بدأت تؤثر رويدا رويدا على طبيعة العلاقات الاجتماعية حتى في الأسرة الواحدة وقد وصلنا في مطلع 2020 إلى 15 مليون مشترك بالانترنت.
اليوم لم يعد الفضاء الأزرق -الذي يعد أكثر استعمالا- حكرا على الشباب والمراهقين كما كان في بداياته سنتي 2011-2012 ولم يعد مجالا للتعارف وإقامة العلاقات فقط ، إذ إنني سمعت اعترافات أكثر من والدة أنها تتواصل مع أبنائها عن طريق حساباتهم في الفيسبوك وهم تحت سقف واحد بحجة أن الوالدين يجارون أبناءهم ويتعاملون معهم على حسب زمانهم ومستجدات عصرهم، فهل هو فضاء نهرب منه من ذواتنا ونحاول أن نعبّر من خلاله عن أشياء عجزنا أن نتواجه بها؟ أم أنه واقع افتراضي وسيبقى افتراضي حتى في عقولنا وأذهاننا ولا يمكن أن نعتبره يوما أنه مصيرنا الذي لا مهرب منه؟
إن قيمة التحاور بين أفراد الأسرة وصلة الأرحام هما خاصيتان لا تعوضان بالتواصل الاجتماعي التكنولوجي فالله تعالى يقول في أول سورة النساء “واَتَقُوا اللَه الِذي تَسَاءَلُونَ بِه والأَرْحَام” فقد أولى ديننا أهمية كبيرة للأقارب لذا لابد أن نبذل مجهودات مضاعفة لاستمرارية علاقاتنا الاجتماعية بالرغم من غزو التقنيات الحديثة للمجتمع.
لا نستطيع الحد من سيل التكنولوجيات الحديثة بأي حال من الأحوال وخاصة أنها يوما بعد يوم في متناول فئات كبيرة من الناس، رغم ذلك فليست التقنية هي من تتحكم في العلاقات الأسرية بل لابد أن تكون مسخرة لبناء علاقات قوية بيننا ومن الضروري أن نعـّود أبناءنا على الاستفادة منها إلى حد أقسى في طلب العلم وتعلم اللغات والتفقه في الدين من المصادر الموثوقة وذلك بإحداث التوازن بين أوقات الدراسة وأداء الواجبات وبين الجلوس خلف شاشات الكومبيوتر والهاتف والوسائل الأخرى بالإضافة إلى تخصيص وقت إجباري يومي لتحاور أفراد الأسرة وتجاذب أطراف الحديث كأوقات تناول الطعام وغيرها.
والأمر المؤكد اليوم أن مواقع التواصل قد قربت المسافات بين المغتربين وأهاليهم وساعدت في تليين قسوة الغربة بالتواصل الدائم والمستمر مع الأقارب في أرض الوطن، غير أنها باعدت إلى حد ما بين أفراد الأسرة الواحدة والأسرة الكبيرة، فنبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول: “ليس الواصل بالمكافئ” بمعنى أن من يصل رحمه هو من يذهب إليهم حتى وإن لم يأتوا هم إليه، إلا أننا في الوقت الحالي لم نعد نرى لا الواصل ولا المكافئ إلا القليل من الجيل القديم الذين لا زالت لديهم قدسية العلاقات الاجتماعية خاصة مع الوالدين، أما الجيل الجديد فيكتفي أحدهم بإرسال رمز تعبيري من هاتفه يدّل على فرحه أو حزنه، وعلى حبه أو اشتياقه دون أن ترى وجهه أو تسمع كلماته مما يدعونا للقلق والحيرة والتفكير الجديّ في مستقبل علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.