صواريخ spaceX.. تجويع الضعفاء.. وحكمة الصين!
في الوقت الذي يرفع فيه الغرب من وتيرة تسارع تطوُّره التكنولوجي في جميع المجالات، من النَّانو تكنولوجيا إلى علوم الأحياء، والطب، والصناعات المختلفة، إلى الأسلحة الفتاكة، والتحكُّم في الصواريخ الموجَّهة لغزو الفضاء… في هذا الوقت بالذات يعمل بتحالف وتنسيق واضحين على إعادة الفلسطيني المكافح من أجل حريته وكرامته إلى الحياة البدائية، إذ يصبح غير قادر على الحصول على الماء وعلى فُتات الخبز لعله يُبقِي على بعض رمق الحياة.
صورة تَحَكُّم شركةspaceX الفضائية في تكنولوجية إعادة الجزء القاذف للصاروخ الفضائي إلى موقع إطلاقه تحمل أكثر من معنى بالنسبة للهوّة التكنولوجية التي أصبحت، لا أقول تفصلنا عن الغرب، بل تفصل المتنافسين العالميين في هذا المجال، بعضهم عن بعض! لقد أصبح الحديث اليوم يدور عن تخلّف شركات مثل “بوينغ” و”لوكهيد مارتن” و”بلو أوريجن” عن “سباس إكس”، ناهيك عن الشركات الغربية الأخرى الأقل تطوُّرا. وحدها هي الصين التي يمكنها المنافسة في هذا المجال خارج المجموعة الرأسمالية الغربية، وكانت قبلها روسيا تستطيع ذلك لولا أن جرى إغراقها في الحرب الأوكرانية لِتتوقف عن المنافسة…
يدلّ هذا الواقع على شراسة الحرب الدائرة اليوم في العالم بين الأقوياء، فما بالك عندما يتعلق الأمر بالضعفاء مثل الفلسطينيين في غزة! إنهم لا يريدون لأحد أن يلتحق بالركب، يُحاصر بعضُهم البعض الآخر، ثم يُحاصرون الأقوياء خارج منظومتهم الغربية، أما الضعفاء فيمنعون عنهم حتى الماء والغذاء!
وهنا يبدو الوجه الخفيّ والقبيح لهذا التطوُّر التقني الكبير للغرب، وتتجلى بوضوح خلفية السكوت عن الإبادة الجماعية للآخرين، وخلفية دعم الكيان الصهيوني؛ الأداة التي يبطش بها الغرب ويُخضِع من خلالها كل من أراد محاولة النهضة وامتلاك بعض زمام المبادرة في طريق الحصول على القوة. وهنا يأتي التفسير الواضح لماذا يحاربون أيّ محاولة للتقدُّم التكنولوجي في أي بلد من بلداننا سواء أكان مدنيًّا أم عسكريًّا، بل ويُتابعون أيَّ نية للتفكير في هذا المجال. ينبغي أن يبقى المتخلِّف متخلِّفا، وينبغي أن تبقى فلسطين محتلّة، وينبغي أن تبقى الشعوب المُضطَهَدة والمُستعمَرة سابقا غير قادرة على الانطلاق للالتحاق بالركب..
هو ذا البعد العميق للصراع في فلسطين وفي غزة، بل وفي أيّ بقعة من العالم غير الغربي في جميع القارات. لا مجال للسير باتجاه اللِّحاق بالتطور التكنولوجي الذي يرمز له “سباس إكس” في الغرب، وإن اقتضى الأمر إبادة جماعية فليكُن.
وهي ذي رسالة الصهاينة لمن حولهم اليوم من خلال إبادة غزة: ينبغي أن يبقى الكيان رمزا للقوة الغربية في قلب الأمة الإسلامية، وينبغي أن يبقى هو السيّد، وألَّا تنكسر شوكته أمام المقاومة أو إيران أو أي كان من دول المنطقة وشعوبها، ينبغي للجميع أن يخضعوا أو أن يكون مصيرهم مصير غزة!
إنهم يقولون ذلك ويفعلون ما يقولون، من غزة إلى لبنان، ومن لبنان إلى اليمن والعراق وسوريا، فبقيّة الدول الأخرى، بما فيها تلك المُطَبِّعة أو السائرة في طريق التطبيع بإرادتها أو بغير إرادتها! الدور آتٍ عليها لا محالة إذا لم تستبق الأمر وتَطلُب العلم ولو بالصين.
الصين هي النموذج الوحيد اليوم في العالم الذي استطاع بحكمته أن ينفلت من مصيدة الغرب، وتجربة الصين ماثلة أمام أعيننا، كيف تحولت هذه الدولة من التخلف إلى التقدم بسرعة مذهلة.. ليس بالضرورة تقليدها خطوة خطوة فلِكل بلد خصائصه، ولكن بالضرورة ينبغي أخذ الحكمة منها في كيفية إدارة الصراع حتى الوصول إلى هذه الدرجة.
هل نحن في مستوى استيعاب الدرس ونحن نرى ما يحدث بفلسطين ولبنان؟ أم سننتظر دورنا لنصبح في حاجة إلى الماء والغذاء ولا نجده؟ هل نُدرك بهذا المعنى أنَّ معركة غزة هي معركتُنا، وفيها رمزية الصراع بين الشرق والغرب، القوة والضعف، الحق والباطل؟ هل نحن في مستوى فهم جميع هذه الأبعاد؟ أم سنبقى غرقى في خلافات فرعية هي جزء صغير من شبكة الشراك المنصوبة لنا؟ هل نأخذ الحكمة ولو من الصين؟