ضبط السوق بالتسقيف
في ظل التذبذب القائم على مستوى استهلاك كثير من المواد صيفا، بغضّ النظر عن التذبذب العادي طوال السنة، وكما تمكّنت المصالح المختصة من الرقابة إلى تقنين التوزيع إلى محاربة الجشع والتخزين العشوائي والمضاربة، يمكن عبر آليات تسقيف الأسعار، كما فعلت مع بعض المواد، لاسيما تلك المدعمة، يمكن عبر هذه الآليات وآليات أخرى، الحدُّ من الارتفاع الفوضوي والجنوني لبعض المواد المستورَدة بشكل خاص ومنها القهوة التي عرفت أسعارها عالميًّا تصاعدا جنونيا جرّاء عدة عوامل أهمها الطقس والجفاف وقلة المحصول والمضاربة الدولية عندما ينقص المنتج، كما حصل أثناء كورونا.
رئيس الجمهورية، فيما يبدو، يعمل على هذه الخطة عن طريق أوامره بتسقيف أسعار القهوة من المستورِد إلى “المحمِّص” إلى الموزِّع، إلى تجار التجزئة، ليكون هامش الربح عند كل عتبة مقبولا وغير مضرّ لا بالمستهلِك ولا بالمصنِّع ولا بالمستورد والبائع، تماما كما فعلنا مع الحليب.
لا مجال لترك الحبل على الغارب واختلاط الحابل بالنابل، لاسيما ونحن مقبلون على حملة انتخابية، ستكون مثل هذه القضايا متكأ لكل من يعارض النظام فقط من أجل المعارضة أو من يعارض على أسس. هذه الأسس، من الواجب أن نجفِّف منابعها، دفاعا عن القدرة الشرائية التي لا تزال ضعيفة رغم كل الزيادات في الأجور، كون الزيادات في الأسعار، تكون في الغالب غير متحكَّم فيها بحكم حرية السوق. غير أن حرية السوق، تقضي بأن لا يكون ذلك على حساب المستهلِك ولا أيضا على حساب المنتج، علما أن كثيرا من نسب الارتفاع في الأسعار، تصبّ في جيوب الوسطاء، لاسيما في مجال الفلاحة والخضر والفواكه واللحوم. المنتِج هو أكثر المتضررين في السلسلة وينبغي حمايته رفقة المستهلِك.
الحمائية ليست كفرا اقتصاديا، وكثير من الدول العظمى اقتصاديا، تلجأ إليها عندما يكون اقتصادها الداخلي مهدَّدا من طرف الاستيراد. وهذا ما نفعله منذ سنوات ضمن برنامج رئيس الجمهورية لخمس سنوات خلت. الوضع تغيّر، لكن لا يزال الخلل باقيا، وهو أكبر تحد للمستهلِك العادي، الذي لا يهمه في الأمر فلان ولا علان، ولا يسار ولا يمين.. إلا من يمكنه من أن يضمن له أجرته الشهرية طيلة ثلاثين يوما لا على أسبوع أو نصف شهر، قبل أن يدخل في الضائقة والاستدانة.
هذا الأمر يتطلب معالجة دائما وعلاجا مستداما، قد بدأنا فيه قبل سنوات، وبالتأكيد سنستمرّ مع أي رئيس كان، غير أن الإجراءات الاستعجالية قد ترغمنا أحيانا على التدخّل السّريع لإيقاف الآثار المدمّرة التي يستغلها البعض في تكاثر الأراجيف وتوظيفها كخناجر، تشحذ مع اقتراب موعد السابع من سبتمبر.
الأسعار في ارتفاع دائم، والأجور في ارتفاع نسبي مرة كل سنة بمقدار: الخلل يبقى واقعا ومحسوسا رغم كل شيء، لهذا، التسقيف لكلّ المواد ذات الاستهلاك الواسع، لاسيما المستورَدة منها، أمرٌ ضروري لضبط سلوكيات الجشع والمضاربة والاستهلاك معا. والكل يعرف أنه عندنا، إذا ارتفع سعرُ مادة مستورَدة، فلن تعود إلى سعرها القديم، مهما انخفضت الأسعار العالمية، وكأننا مرتبطون بالبورصات العالمية فقط أثناء الارتفاع ونستل خيوط التدفق عندما تنخفض أسعارها هناك لتبقى مرتفعة هنا.
في ظل اقتصاد وطني لا يزال يتشكّل وينمو باضطراد، سنبقى لبضع سنوات نعاني من الخلل في العرض والطلب، ومن ثمّ نعاني من تذبذب الأسعار ارتفاعا، هذا أمرٌ معروف، غير أن ذلك قد يصبح نسبيّا من الماضي بعد ثلاث أو أربع سنوات، أو حتى أقل، إن نحن فعّلنا كل الآليات لضبط السوق.