ضربات الشمس.. أطباء يحذرون من مضاعفات مميتة

تشهد مختلف ولايات الجزائر، خلال هذه الأيام، موجة حر شديدة فاقت معدلاتها المعتادة، من دون التمييز بين الجنوب والشمال، ما زاد من حالات الإصابات بضربات الشمس، التي باتت تمثل خطرا صحيا جديا يهدّد الفئات الهشة بشكل خاص. وأمام هذا الوضع الحساس، يحذر الأطباء من الاستهانة بهذه الحالات التي قد تتطوّر إلى مضاعفات مميتة، داعين إلى الالتزام بتدابير وقائية صارمة.
ورغم أن درجات الحرارة بلغت مستويات قياسية في عدد من الولايات، إلا أن مظاهر التهاون في التعامل مع أشعة الشمس لا تزال حاضرة بشكل لافت في شوارع المدن، وعلى أطراف الطرقات الجارية بها أشغال التهيئة، وفي الحقول والمزارع، وحتى ورشات تعبيد الطرقات خارج العمران، حيث يمكن بسهولة ملاحظة عمال يؤدّون مهامهم تحت شمس حارقة من دون وقاية تذكر، بعضهم يرتدي ألبسة ثقيلة أو داكنة، وآخرون لا يستعملون القبعات ولا يشربون الماء لساعات، وكأن الوعي بخطورة التعرض لأشعة الشمس لم يترسخ بعد في السلوك اليومي. هذه المشاهد تتكرر يوميا، وسط غياب شبه تام لثقافة الحماية الحرارية في أماكن العمل، سواء من جانب الأفراد أو حتى المسؤولين المباشرين، ما يعزز الحاجة إلى تدخل طبي وتوعوي عاجل.
البروفيسور ميمون: سجلنا إصابات سرطانية بسبب التهاون في الوقاية
وإذا كانت المناطق الصحراوية والجنوبية من البلاد معروفة بطبيعتها القاسية صيفا، فقد زحفت هذه الحرارة نحو الشمال، حيث لم تعد ولايات كالعاصمة وسطيف وقسنطينة وبجاية تستثنى من درجات حرارة خانقة تتجاوز 40 درجة مئوية في بعض الأيام. وهو ما جعل من الحرارة المرتفعة وضعا عاما يستدعي من الجميع التعامل معه بحكمة ووعي، ففي غياب تهوية مناسبة داخل المنازل، تحوّل فصل الصيف إلى عبء يومي على الصحة الجسدية والنفسية، لاسيما في الأحياء المكتظة التي تفتقر لأدنى تدابير الوقاية.
مؤشرات مقلقة يقابلها استهتار في التعامل مع الشمس
في ولاية سطيف، يقول البروفيسور مهدي ميمون، رئيس مصلحة جراحة الفك والوجه والجراحة الترميمية والتجميلية بالمستشفى الجامعي “سعادنة عبد النور”، أن الحرارة المرتفعة التي تشهدها الولاية هذه الأيام تطرح تحدّيات صحية كبيرة، وأوضح أن للشمس فوائد مؤكدة على الجسم، فهي تحفز إفراز فيتامين “د” وتؤثر إيجابا على العظام، غير أن أضرارها تتفاقم عند التعرض الطويل لها خاصة في أوقات الذروة، إذ تتسلل الأشعة فوق البنفسجية لتؤثر على الجلد والعينين، بينما تقوم الأشعة تحت الحمراء برفع حرارة سطح الجلد بشكل خطير.
البروفيسور ميمون وصف ضربة الشمس بأنها حالة طبية خطيرة تنجم عن عدم قدرة الجسم على التبريد عند تجاوز حرارته 37 درجة مئوية، خاصة عند ممارسة الرياضة أو القيام بأعمال شاقة في ذروة الحرارة، من دون تعويض السوائل المفقودة. وأكد أنه من أبرز أسباب الإصابة بالجفاف، عدم شرب الماء، وارتداء ملابس ضيقة لا تسمح بتهوية الجسم، وأضاف أنه من أعراضها ارتفاع حرارة الجسم، صداع شديد، ارتباك، تسارع نبضات القلب، الإغماء، وقد تصل إلى فقدان الوعي، لاسيما عند الأطفال وكبار السن.
وفي حالات الإصابة، شدّد على أهمية الاستنجاد بالحماية المدنية التي تتوفر على الإمكانات اللازمة، مع التوجه الفوري نحو أقرب مستشفى. ويشمل التدخل الأولي تبريد الجسم بالماء البارد، ومدّ المريض بالماء للشرب، إن أمكن، قبل نقل الحالة للمراقبة الطبية.
وفي الجزائر، لا تزال ثقافة شرب الماء محدودة، وهي نقطة سلبية أشار إليها البروفيسور ميمون بوضوح، لافتا إلى ضرورة تغيير هذا السلوك، خصوصا في ظل الظروف المناخية المتطرفة. ونبّه إلى أن درجة الخطورة تبدأ عند تجاوز حرارة الجو 30 درجة، داعيا إلى تجنّب التعرض المباشر للشمس من العاشرة صباحا إلى الرابعة مساء، واستخدام القبعات الواقية، وارتداء ملابس فضفاضة ذات ألوان فاتحة. وأوصى كذلك بتجنّب المجهود البدني الشاق واستعمال واقيات الشمس الطبية بدل الاعتماد على مواد مثل زيت الزيتون، الذي لا يوفر أي حماية حقيقية.
الجلد أول الضحايا.. وسرطان محتمل في الأفق
وتحدث البروفيسور عن آثار الشمس على الجلد، مؤكدا أن هذا الأخير هو أول الأعضاء تضررا، خاصة في مناطق الوجه وظهر اليدين، ما قد يؤدي إلى حروق، شيخوخة مبكّرة، فقدان مرونة الجلد، وتغير لونه. وأشار إلى أن التعرض المزمن والمطوّل للشمس قد يسبّب في بعض الحالات ظهور سرطان الجلد، خصوصا عند ذوي البشرة البيضاء والشقراء. واستشهد بحالة سائق شاحنة من ذوي البشرة الفاتحة أصيب بسرطان جلدي حاد بسبب تعرضه اليومي لأشعة الشمس من دون أي حماية، ليفارق الحياة بعد معاناة طويلة.
وبينما تسجل ولايات الوطن أرقاما قياسية في درجات الحرارة، يعيش الكثير من العمال والفلاحين وأطفال الأحياء الشعبية واقعا محفوفا بالخطر، من دون توعية كافية أو تدابير تحميهم من الحرارة. ورغم بعض المبادرات المدنية لتوزيع المياه، إلا أن غياب ثقافة الوقاية تطرح تحدّيا إضافيا للحد من آثار موجات الحر المتكررة.
في ظل كل هذا، يبدو أن ضربة الشمس لم تعد حالة طبية ظرفية، بل مؤشر على تغيّر مناخي يتطلب خططا وقائية وإستراتيجية توعوية شاملة، تستبق الكارثة بدل انتظار وقوعها.