-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ضرورة سحب المبادرة العربية

ضرورة سحب المبادرة العربية

بدأت إرهاصات تغيير القواعد القانونية المُنظِّمة لسلوك وتصرفات أشخاص المجتمع الدولي منذ بداية العشرية الثانية من هذا القرن ثم أصبحت واقعا معيشا إثر ظهور الأزمة الأوكرانية الروسية، ثم تكشَّفت معالمها بوضوح عقب السابع من أكتوبر 2023 وما لحقها من حرب إبادة في غزّة.
لقد أماطت أحداث غزة السِّتار عن حقائق وتطورات مذهلة كان أبرزها كشف نفاق الغرب وزيف ادِّعاءاته المُتعلِّقة بالقيم الإنسانية ومُثُل الحرية وسيادة الشّعوب ومساواتها أمام القانون.
كما تعرّت عوراتُ العرب إلى الحدّ الذي أصبح فيه عدوّهم الأول هم أبناء شعوبهم الأكثر تمسُّكا بقيم الإسلام، وأكثرهم عملا على تحقيق حضارته ومُثله والالتزام بشريعته، والعاملون للتّمكين لإرادة شعوبهم في اختيار من يعبِّر عن إرادتهم ويُنافح عن سيادة بلدانهم.
تعرّت عورات العرب لتُزكم أنوف شعوبها بعمالة رخيصة للمُعتدي وكفيله، وإلّا كيف نُفسِّر صمت الأموات الذي خيّم مدّة 15 شهرا على إبادة شعب بأكمله تحت سمعهم وبصرهم من دون أن يجتمعوا كعادتهم لإصدار بيان شجب وتنديد؟
العرب الّذين رسموا انهزامهم جميعا أمام الصهاينة وكفيلهم في بيروت سنة 2002 بمبادرة كان يُعتقد أنّها تحمل حلّا سياسيا والتي لم يُعِرها العدو ولا حلفاؤه طبعا أيّ اهتمام. هذه المبادرة مازال العرب يتشدّقون بها ويضعونها شرطا للتّفاوض من أجل السّلام، السّلام الذي يعني التنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية للصهاينة.
لم يكتفِ العرب بهذا الانبطاح، فراح بعضُهم يُقدّم نفسه على أنّه وصيٌّ وممثل لكل العالم الإسلامي الذي سيهرول للاعتراف بالكيان الصهيوني إذا ما قبل بهذه المبادرة العار، ورغم ذلك لم يزدد العدو وكفيله إلّا غطرسة وإمعانا في الهدم والقتل والعدوان.

قمّة العرب الاستثنائية القادمة يجب أن تكون تاريخية تحمل في طيّاتها عبق شهداء غزّة خصوصا وشهداء كل العرب الذين قضوا من أجل فلسطين تاريخيًّا، وأن تكون قراراتها مُعبِّرة بصدق عن هذه الأمانة التّاريخية، ومُكفِّرة عن كل التّخاذل الذي أظهره بعض العرب اتّجاه قضيتهم الأولى، بداية من تمكين العدو من التّجسس والتّعاون معه ضدّ إخوانهم، إلى اتفاقات التّطبيع التي أذلّت رسميًّا كلّ من أقبل عليها وبرّرها.

لقد عملتُ سفيرا للجامعة العربية لدى الإتحاد الأوروبي طيلة سبع سنوات، وعِشت، وسمعت، وشاهدت غطرسة الغرب في تعامله مع العالم العربي انطلاقا من قناعات حضارية لديهم، واعتبروا أنّ العرب لا يريدون سلاما بقناعة ولكنّهم غير قادرين على حماية أنفسهم وسلطانهم فذهبوا يبادلون أرض فلسطين مقابل الدّعم الغربي، ولذلك لم يأخذوا المبادرة إلّا كمستند للاستغلال وكسب الوقت للتّمكين أكثر للصّهاينة من أجل التوسُّع وقضم مزيد من الأرض وفرض الأمر الواقع.
لقد طلبت أكثر من مرة من الأمانة العامّة للجامعة العربية بمناسبة انعقاد القمم العربية أن تُسحب المبادرة العربية من على الطاولة، ولكن طلبي كان صيحة في واد. وما زالت الجامعة إلى يوم الناس هذا تطرح المبادرة وتُذكِّر بها من دون حياء أو خجل.
لقد منّ الله على العالم العربي بوصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليُبادر بهذيان عدائي للعالم كله بداية طبعا من استحلال حُرمة العرب إلى المطالبة بتوسيع نفوذه إلى أقاليم خارج بلاده. ولمّا ذكرت بعض البلدان العربية بالتحديد -والتي لم تدّخر بالمناسبة أيّ جهد لإرضاء الصهاينة وكفيلها- لمّا طلب منها مزيد من التّنازل لتنفيذ خطّة التّهجير وقبر القضية الفلسطينية إلى الأبد في شكل أمر من السّيد الذي لا يُرَدّ له طلب ولا يُعصى له أمر، بدأنا نسمع خطابا جديدا من بعض هؤلاء العرب حول الوحدة العربية وسيادة دولها وعدم السكوت عن عدوان الصهاينة ومن يدعمهم، وعادت القضية الفلسطينية عندهم بقدرة قادر القضية الأولى، وتنادى هؤلاء ليطلبوا تنظيم قمّة عربية طارئة لم يطلبوها لمّا كان أهل غزّة يُبادون ويُجوَّعون ويُحرقون، لكنّهم طلبوها اليوم لعلهم يختبئون وراء اجتماع عربي مُندِّد بمبادرة ترامب وطريقه تعامله مع بعض العرب (حلفائه) بغطرسة وهذيان لا سابق لهما.
وأسأل الله أن يكون احتقار ترامب لبعض العرب سببا في استيقاظهم لاسترداد بعض شرفهم وكرامتهم للذّوْد عن أراضيهم وأعراض شعوبهم. فرُبَّ ضارّة نافعة كما يُقال.
إنّ قمّة العرب الاستثنائية القادمة يجب أن تكون تاريخية تحمل في طيّاتها عبق شهداء غزّة خصوصا وشهداء كل العرب الذين قضوا من أجل فلسطين تاريخيًّا، وأن تكون قراراتها مُعبِّرة بصدق عن هذه الأمانة التّاريخية، ومُكفِّرة عن كل التّخاذل الذي أظهره بعض العرب اتّجاه قضيتهم الأولى، بداية من تمكين العدو من التّجسس والتّعاون معه ضدّ إخوانهم، إلى اتفاقات التّطبيع التي أذلّت رسميًّا كلّ من أقبل عليها وبرّرها.
ومن أهمّ القرارات التي ينتظرها الشّرفاء:
1- سحب المبادرة العربية نهائيًّا من على الطاولة.
2- تجميد كل اتّفاقات التّطبيع إلى أجل غير مسمّى.
3- ملاحقة العدوّ قضائيًّا على المستوى الدّولي.
4- العمل على إعمار غزّة بصورة مُستعجَلة بأموال وآليات عربية كردّ عمليّ ضدّ التّهجير.
ما لم يخرج العرب بقرارات كهذه كحد أدنى، فعلى العرب وفلسطين السّلام، ولتكن سيادة الهذيان هي سياسة الأسياد اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!