طريق العلم والعقل… أفضل البدائل لنا جميعا!
نحن بحاجة اليوم إلى الاحتكام إلى العلم والعقل أكثر من أي وقت مضى. لن ننفع بلادنا بالمواقف العاطفية أو الشعارات الرنّانة، إنما ننفعها بالنظرة الواقعية والتحليل الموضوعي المتطابق مع عقيدتنا وإيماننا وواقعنا.. ليس من مصلحتنا أبدا أن نُفكر بالطريقة المُطلَقة التي لا قيود لها، أو تلك التي لا تَرى من ألوان الواقع سوى الأبيض أو الأسود، وتنسى ملايين الألوان الأخرى التي بينهما…
لو انطلقنا من منظورنا الإسلامي لوجدنا أنفسنا نستند إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ”، أي جماعة العلماء. أو نسعى لفهم قوله تعالى “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (الأنعام: 116)، وكلها معان تحملنا على ضرورة الابتعاد عن الأحكام السريعة أو الحادة التي تستبعد الشرع والعقل من أي تحليل…
أما إذا انطلقنا من منظور الفكر الغربي فإننا سنتذكر بسرعة قول أحد كبار الساسة الغربيين “ونستن تشرشل” عندما وصف الديمقراطية بأنها “أسوأ نظام حُكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى”، بما يعني أنها أفضل الموجود وليست الأحسن على الإطلاق. وتتسارع إلى أذهاننا أقوال علماء غربيين من أمثال “ريني غينون” أو “ألفين توفلر” اللذان عالجا كل في عصره مسائل مثل الأكثرية والأقلية والجماهير، حيث رأى الأول في كتابه “أزمة العالم المعاصر” أن “الأغلبية في أي أمر كان، إنما تتشكل من عديمي الكفاءة، حيث لا يُمكن مقارنة عددهم الكبير بعدد الرجال الذين يستطيعون إبداء الرأي عن علم تام بالأمور” (Guenon, crise du monde moderne P.88)، وتحدث الثاني عن “النتوقراطية” Netocracy وعن الأغلبية المُصَغَّرة minimajoritarian التي تعني الدمج بين قوانين الأغلبية وسلطة الأقلية وانصهار قاعدة الأغلبية في قوة الأقلية (انظر مقالنا في الشروق ـ لن ينتظرنا العالم أكثر ـ 04 سبتمبر 2014)، بما يعني أنه من غير الموضوعي الاحتكام للعدد في عصرنا اليوم.
وإذا انطلقنا من تجاربنا الحية اليوم فإننا يمكن أن نتوقع بسهولة كيف ستتمكن القوة النوعية إن بالمفهوم الصلب أو اللّين من الانتصار في أي من المعارك التي ستخوضها. وفي هذه الحالة يكون من الأفضل أن تتحالف مع الجماهير أوأن تتحالف معها الجماهير، لمزيد من الانتصار، على أن يتصارعا لمزيد من الخسائر. وبلادنا في هذا المرحلة المفصلية في تاريخها في حاجة إلى موقف موحد بين نخبتها المرنة ونخبتها الصلبة وجماهيرها، بعيدا عن كل تلك الشعارات التي تبدو في ظاهرها جميلة ولكنها في حقيقة الأمر من شأنها تحطيم ما بقي من أمل في غد أحسن للناس جميعا…