طلبة البكالوريا يواجهون مشكلة اختيار التخصص
شهادة البكالوريا هذه السنة كان لها طعم مُميّز، فنسبة النجاح عرفت قفزة نوعيّة، وحتى التسجيلات شهدت إدخال الانترنيت على جميع المستويات، عدا هذا فإنّ المشكل الذي يطرح نفسه بإلحاح هو اختيار التخصُّص لدى الطلبة الناجحين، فأحيانا يُفرض تخصّص مُعيّن على الطالب وهو لا يرغب فيه هذا ما يولّد لديه نوعا من الهروب والنفور من الدّراسة، وحتى طريقة التسجيل الجديدة فرضت على الناجحين اختصاصات معينة. فكيف سيتعامل الطلبة الجدد مع هذه التغييرات الجديدة؟.نادية سليماني
تعتبر عمليّة اختيار التخصّص مُهمّة في حياة الطالب لأنها ستحدّد مسار حياته مستقبلا، فإن كان اختياره صائبا ومُوفّقا اجتهد في مسيرته الدراسية ودخل الحياة المهنية من بابها الواسع، أما إن كان اختياره خاطئا أو فُرض عليه من قبل الوالدين أو من مصلحة التسجيلات فسيُصاب بتذبذب ويُقدِم على إهمال دراسته من كثرة تغيير الاختصاصات وهذا ما سيعطل أو يرهن حياته الدراسية إلى حين تسجيله في شعبته المفضلة.
أولياء يفرضون تخصصات على أبنائهم بحجة الوظيفة
تقول نوال: »حصلت هذه السنة على شهادة البكالوريا في شعبة الآداب وأنا أريد التسجيل في الصحافة، أما والداي فيرفضان بحجة صعوبة العثور على وظيفة في هذا الميدان وهما يفضلان اختيار اختصاص التدريس وهذا ما أرفضه، وأنا في مناوشات دائمة معهما«.
غالبا مَا يختار الطّلبة اختصاصات لمجرد الإعجاب بها أو التباهي كالصحافة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وهم لا يدرون بأن هذه التخصصات تستلزم العمل في المدن الكبرى فقط كالعاصمة، لأنه لا مستقبل للصحافيين في الولايات الداخلية، وهذا ما يزيد العبء على هؤلاء في المستقبل.
لهذه الأسباب يُرغِم الأولياء أبناءهم على اختيار تخصُّصات تكون الوظيفة معها مضمونة نوعا ما خاصة التدريس وهو التخصّص الذي يتهرب منه معظم الناجحين، يقول سمير: »تحصّلت على البكالوريا عام 1997 واخترت تخصص العلوم السياسية، هذا ما أغضب والِدي لأنّه أراد أن أُسجّل في اختصاص الآداب واللغات، ولكن بعد تخرّجي ندمت كثيرا لأني لاأزال بطالا، ولو اتبعت نصيحة والدي لربما أنا أشتغل الآن«.
أما طلبة آخرون فيصعب عليهم اختيار تخصّص معيّن لجهلهم بمحتوى بعضها، وكذلك لعدم وجود مُرشد لهم خاصة إذا كان الوالدان أمّيّان ولم يسبق لأحد في العائلة أن تحصّل على شهادة البكالوريا، هذا ما يُولّد نوعا من الغموض لديهم فيُجبرون على الاختيار العشوائي. ويقع العبء الأكبر على الفتيات اللاّئي يُجبرن دائما على اختيار تخصصات يريدها الأهل، »فسمية« تريد التخصص في الإعلام الآلي إلا أن شقيقها الأكبر خيّرها بين اختيار تخصّص الشريعة الإسلاميّة أو تخليها عن الدراسة نهائيا وهذا ما تم فعلا، »فسمية« رفضت التسجيل هذه السنة.
التسجيل عبر الإنترنت يرهن مستقبل بعض الطلبة
حتى عملية التسجيلات هذه السنة شهدت تغييرات جذرية بعضهم تقبلها واستحسنها وآخرون اعتبروها عائقا. فالتسجيلات أصبحت تتم عن طريق الإنترنت وأغلبية الطلبة يجهلون التعامل مع الإعلام الآلي لعدم استعماله في الثانويات ولغلاء الدروس الخصوصية في هذا الميدان. بفعل الإعلام الآلي باتت الاختصاصات تفرض على الناجحين، فمثلا الطلبة الناجحون هذه السنة في الشعب الأدبية ليس بإمكانهم التسجيل في اختصاصات العلوم التجارية والإعلام الآلي والمحاسبة والضرائب، وقد تم حصرهم في الاختصاصات الأدبية فقط، والشيء نفسه للناجحين في الشعب العلمية حيث تم منحهم اختيارات الاختصاصات علميّة فقط، هذا ما جعل البعض يحتجّ، فـ»رانيا« نجحت في شعبة الآداب وتُريد التسجيل في العلوم التجارية إلا أنها وجدت قائمة من الاختصاصات التي لا تريدها في الانترنيت. وحتى دليل التسجيلات غاب هذه السنة، فالطلبة لا يملكون أيّ معلومات مُسبقة عن التخصّصات في الجامعة.
الاجتماعيون: الطالب شخص بالغ وله الحرية في الاختيار مع توجيه من الأهل
وحسب المختصة الاجتماعية السيدة دليلة، فإن إرغام الطالب على دراسة شعبة معينة يؤدي لنفور هذا الأخير وعدم نجاحه، فالطالب هو إنسان بالغ تعدى 18 من العمر وله شخصيته المستقلة، والتدخل في شؤونه يُعتبر إضعافا لشخصيته، بل يجب أن يكون هناك تشاور وحوار داخل الأسرة واستبعاد العنف والقوة، وإن كان الوالدان أميّان فلابد من وساطة وتوجيه من بعض الأقارب العارفين بأمور الدراسة لإقناع الطالب بالتخصص المناسب، ويجب إعطاء الأولوية لاختيار الطالب حتى لا يكون هناك لوم على الأسرة في المستقبل، فالجامعة مؤسسة اجتماعية تلعب الدور الأكبر في تفاعل الفرد مع مجتمعه وتكوين إنسان له وظيفة في هذا المجتمع.